ضياء محسن الاسدي
كانت من أصعب اللحظات التي كنت أخشاها في حياتي وأتهرب منها ولا استطيع مواجهتها هي لحظة الوداع لكني كنت مرغما عليها وأنا أعيشها بكل معاناتها القاسية على القلب.
رحت أتخطى الجموع المحتشدة على طرقات وممرات محطة القطار شارد الذهن والفؤاد مني هواء حتى أستقر بي المطاف الى الرصيف المتفق عليه للقاء حيث أتفرس الوجوه المتجهمة للفراق والاشتياق والاخرى المستبشرة للقاء الأحبة والاهل والاصدقاء وما هي الا لحظات وأذا بأطلالة الوجه القمري في تمامه عند حافة الرصيف معلقة حقيبة السفر الخفيفة على كتفها تلتفت يمينا وشمالا تحدق بوجوه المارة من امامها كان اللقاء بقدر ما كان جميلا أصبح حزينا لمعرفة نهايته المتوقعة لكلينا.
بعد السلام والتحية أخذت العين تخاطب بعضها البعض والافكار تتوارد والضوضاء تتزايد من حولنا مما حدى بنا الانزواء الى أحدى الدكات المرمرية جانبا جلسنا نتبادل الحديث والمسافة بيننا شبه معدومة لكثرة الحنين والاشتياق واللهفة والخوف على المستقبل الذي نتركه تحت رحمة الزمن الذي لا يرحم ونحن نودع بعضنا.
سكت الكلام المباح بيننا سوى كلمات متسارعة مع نبضات القلب وخفقاته التي تتناغم مع دقات الساعات المعلقة على جدران المحطة وهي تسرق منا الثواني والدقائق للاستعداد للرحيل، توقفت حينها كل المشاعر الحسية لدينا سوى حسيس نبضات القلب ودقاته والانفاس المتصاعدة بصعوبة من الصدر وهي تسطر أروع لحظات الاشتياق بعدما عجز اللسان عن الكلام والعقل من التفكير أصبحنا جثتين هامدتين على دكات المرمر كالصور على الاجداث.
فجأة مزق السكون من حولنا صفير القطار المدوي في عنان السماء الذي يصم الآذان معلنا بدءا الرحلة في الانطلاق وبدأ المسافرون يتهافتون على عرباته أخذت يداي تنساب من يديها شيئا فشيئا وأنا مثبت كالمسمار في الارض لا حراك في وهي تتلاشى من أمامي كالسراب للظمئان.
أنظر الى عربات القطار وهي تجر أذيالها مسرعة وسحب الدخان تغطي عرباته ملوحة لنا بالوداع سارقة منا احلامنا وآلامنا وأيامنا على عجالة من عمرنا بدى القلب معلقا بصوت ضجيج وزمجرته وهو يقطع نياط القلب على مرأى ومسمع مني ليس لي حول ولا قوة سوى ببعض قطرات الدمع المتجمدة في مآقي العيون وعلى الأكف وهي تلوح بالسلام والتوديع والقلب حينها يكاد أن ينخلع من مكانه ونفس متأملة للقاء ثانية وأملا يكون أو لا يكون.
Comments