bah من الإنجاز العظيم في الفضاء إلى الثوار في لبنان - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

من الإنجاز العظيم في الفضاء إلى الثوار في لبنان

06/06/2020 - 19:01 PM

بيروت

 

 

الدكتور فيليب سالم

 

كانت الساعة الخامسة والدقيقة 16 مساءً، بتوقيت بيروت، من نهار الاحد الفائت. وسُمع صوت رجل في مدينة هيوستن، يصرخ قائلاً: "برافو. هذه لحظة تاريخية. لقد رفعتم أميركا الى أعلى". في هذه اللحظة وصلت المركبة الفضائية "كرو دراغون" الى المحطة الفضائية الدولية، والتصقت بها. وكان الرجل مدير وكالة الفضاء الأميركية "الناسا" الذي أشرف على رحلة المركبة الفضائية من انطلاقها من مركز كينيدي في فلوريدا نهار السبت حتى وصولها الى هدفها. رحلة دامت 19 ساعة. كانت هذه اللحظة بداية عهد جديد. عهد الرحلات الفضائية التجارية والسياحية. وللمرة الأولى لم يكن الصاروخ الذي أطلق المركبة الى مدار الارض من صنع دولة بل كان من صنع "سبايس اكس"، الشركة التجارية التي أسسها رجل الاعمال الأميركي إلون ماسك. والأميركيون يعرفون إلون ماسك جيداً، فهو يشتهر بشجاعته، وثورته على الأفكار التقليدية، وتمرده على الإحباط. كانت شركته قد صنعت صواريخ عدة من قبل وباءت كلها بالفشل. لكن إصراره على النجاح أوصله الى هنا. كانت هذه العملية شراكة بين الدولة الممثلة بوكالة الفضاء "الناسا" وشركة سبايس اكس الخاصة التي يمتلكها ماسك.

والله يعلم كم كانت أميركا بحاجة الى هذه اللحظة. كم كانت بحاجة الى من "يرفعها الى أعلى". فالتظاهرات الاحتجاجية العنفية كانت تجتاح المدن الأميركية وتفتك بها. لقد قامت هذه الاحتجاجات نتيجة قتل رجل أسود في ولاية مينيسوتا على يد شرطي أبيض. ونددت بالعنف المتطرف الذي تستعمله الشرطة ضد السود، كما نددت بالعنصرية. وها هي أميركا، العنف والعنصرية والفوضى على الأرض، وعظمة العلم والتكنولوجيا في الفضاء. وعندما فتح الباب ودخل الرائدان الاميركيان بنكن وهورلي المحطة الدولية استقبلهما في المحطة الرائد الفضائي الاميركي كسيدي ورائدا الفضاء الآخران هما من الجنسية الروسية. أميركا وروسيا تتنازعان على السلطة والنفوذ على الأرض، والرواد الاميركيون والروس يعملون معا كعائلة واحدة في الفضاء لاكتشاف اسرار الكون. هكذا يوحد العلم البشر. هكذا يمحو العلم الحدود الجغرافية والهويات القومية. ترى ماذا يقولن هؤلاء الرواد في المحطة الفضائية عندما ينظرون الى الأرض؟ ربما يقولون: هذه الأرض لا يغتصبها فقط فيروس كورونا بل تغتصبها أوبئة أكبر تهدد مستقبل الانسان، ومستقبل الحياة على الارض. فمرض COVID-19 سيزول بعد شهر، بعد سنة، بعد سنتين، اما هذه الأوبئة فستبقى. ان الذي يهدد مصير الانسان هو الانسان نفسه. فالأمراض التي تفتك بنا من الطائفية الى العنصرية الى العنف والكراهية والتطرف والجهل والجشع، هي أخطر بكثير من الامراض التي تسببها الجراثيم.

ونعود الى لبناننا الحبيب. بلد صغير جداً بمساحة الارض، كبير جداً بمساحة الحضارة. فيه تعيش جميع حضارات العالم وفيه أيضا تنمو جميع الأوبئة في العالم. فهل يا ترى سيرى رواد الفضاء من محطتهم ساحة الشهداء تعج بالثوار يوم السبت المقبل؟ سيذهب الثوار هذه المرة لا ليصرخوا فقط ضد الفساد والجوع والطبقة السياسية المهترئة بل سيصرخون أيضا ضد كل من تسول له نفسه إذلال لبنان. وكم كانت العلاقة بين لبنان وايران جميلة قبل الثورة الإسلامية! وكم كانت العلاقة مع سوريا رائعة يوم كنا عائلة واحدة. وهل تدركون ما كان ممكناً ان ننجزه معاً، لو بقينا اهلا؟

خذ مثلاً ماذا صنع السوريون واللبنانيون في الاميركتين في القرن الماضي. لبناني من بشري اسمه داني توماس شيد أعلى منارة للطب في العالم في مدينة ممفيس، تنسي. انه مركز سانت جود للأمراض السرطانية عند الأطفال. هذا أكبر وأهم مركز في العالم لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان. قام داني توماس بالخطوة الأولى ووضع حجر الأساس. ولكن لولا اصدقاؤه السوريون واللبنانيون الذين جمعوا التبرعات لما كان هذا المركز الطبي ليصل الى هذا المقام الذي هو فيه اليوم. لم يكن سانت جود ثمرة رجل واحد بل كان ثمرة جميع اللبنانيين والسوريين الذين عرفهم داني توماس.

واللبنانيون والسوريون أيضا بنوا في سان باولو المستشفى اللبناني-السوري وقد يكون أهم مستشفى في البرازيل. لكنه بالتأكيد أهم مركز لمعالجة الامراض السرطانية في اميركا اللاتينية. وكذلك تعاون اللبنانيون والسوريون في بيونس ايرس وبنوا المستشفى اللبناني-السوري فيها الذي يعد من أفضل المستشفيات في الارجنتين. هذا بعض ما قدمه اللبنانيون والسوريون عندما كانوا أهلاً. الى هذا المستوى من العلاقة نطمح ان تكون العلاقات اللبنانية السورية. ونقول للنظام السوري، أنظر حولك. فماذا ترى؟ حروب ودمار في بلادك، وفساد وانهيار للدولة في لبنان. جبال من الأخطاء المتراكمة. أخطاء في الخيارات السياسية. واخطاء في العلاقات بيننا وبينكم.

ونعود الى الثوار في لبنان ونقول لهم: ليكن شعاركم واحداً وهو تغيير الطبقة السياسية الحاكمة. هؤلاء هم من جاؤوا بالوصاية الفلسطينية، ومن جاؤوا بالوصاية السورية، وهؤلاء هم من جاؤوا اليوم بالوصاية الإيرانية. هؤلاء هم من أوصلكم الى هذا الذل. هؤلاء هم الذين "مسمروا" لبنان على الصليب وتركوه وحيدا ثم عادوا الى بيته وسرقوه. أيها الثوار، هذا يومكم، ليكن هذا اليوم يوم الكرامة. ولكي نستعيد الكرامة لا بد لنا من ان نركع أمامكم ونطلب منكم بكل جزم واحترام، ألا تنحدروا الى الفوضى والعنف. فتذكروا ان أكبر عدو لكم هو العنف. في العنف تموت الثورة ويموت معها هذا الحلم الكبير. ألم تروا ماذا حدث في المدن الأميركية أخيراً، وكيف سقطت كل الشعارات ضد العنف؟ وضد العنصرية عندما لجأ المتظاهرون الى العنف؟ هذا يومكم أيها الثوار. فليكن يوماً مميزاً تُذكّرون فيه أميركا والغرب بان الحضارة كانت هنا قبل ان تصل اليهما. في هذه الأرض، أرضنا، ولدت الحضارة. ارتفعوا الى الحضارة، ترتفعوا الى الثورة. وتذكروا دائماً ان لبنان هو الوطن الرسالة، واذا لم نرتفع الى الحضارة تزول الرسالة. وماذا يا ترى يبقى من لبنان ان لم تبق الرسالة؟

وكيف يمكنك ان تبقى صامتاً والأرض تهتز تحت قدميك؟ ان الأرض تهتز لأنها لا تقوى على الكلام. لكن الأرض تريد منك ألا تبقى صامتا. أن الصمت أمام الظلم جريمة. فها هي ساحة الشهداء تنتظرك. تكلم.

أيها الثوار، أنا واحد من اللبنانيين المنتشرين في العالم. كم يؤلمنا انه لن يسعنا ان نكون معكم بأجسادنا بل سنكون معكم بقلوبنا. وسنركع أمام مجد الله ونطلب منه "ان يطّل من السماء وينظر، ويتعهّد هذه الكرمة التي يمينه غرستها". وسنطلب منه أيضاً ان يتعهد أن يكون معكم ويبارككم ويحميكم من كل شر. فهو يعرف عمق الألم في بلادكم كما يعرف عمق الظلم الذي اصابكم.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment