رؤية تحليلية تكتبها : إيريني سعيد
لم يحدث أن اجتمع العرب، مثلما اجتمعوا لأول مرة، فى توافق نادر على القبول بدخول حلف شمال الأطلسي " الناتو" إلى ليبيا عقب ثورة فبراير 2011!!، تنفيذا لقرار مجلس الأمن، بل والأدهى دعوة الجامعة العربية إلى الحلف، من أجل فرض الحظر الجوي والبري على ليبيا، ليختلف الموقف الليبى عن بقية المواقف دول الربيع العربى، تخرج ليبيا منزوعة الهوية، مفتقرة لأبسط مقومات قيام الدولة، تستمر حالة الفوضى ومساحة عدم الاستقرار، لمدة تقترب من العشر سنوات، عاصر فيها الشعب الليبي كافة أنواع التقسيم والصراعات الإقليمية والقبلية، وحتى وقتنا هذا تحاك المخططات من أجل تقسيمها إلى ثلاث دويلات طرابلس غربا، برقة شرقا، وحتى فزان جنوبا، ولعل مقولة غسان سلامة - مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا- ليبيا تنتحر بأموالها، تعد الأقرب لوصف الأوضاع، بعدما أصبحت ليبيا أملا لأوروبا الغربية والشرقية، تترقبها إيطاليا، وتتلهفها فرنسا وروسيا، أما تركيا فآمالها أوسع، وقد سارعت بتوثيقها من خلال إتفاقها مع حكومة السراج المعترف بها دوليا، - ديسمبر العام الماضي -وتفعيل مذكرة التعاون العسكري بينهما، على نحو يفتح المجال أمام تدخل مباشر أكبر لأنقرة في الدولة صاحبة المليون و300 ألف برميل نفط يوميا - بشكل تقريبي- من أجود الأنواع، والقريبة من أهم طرق التجارة والعابرة للمتوسط، ومن ثم توالى إرسال المرتزقة والمليشيات من من سوريا وتركيا لمحاربة الجيش الوطني بقيادة حفتر، لتستمر ليبيا، والتي كانت قد بدأت ترتسم عليها ملامح الدولة بوجود جيش، وحكومة معترف بها دوليا، تستمر في حالة الفوضى، متجهة للتقسيم.
إعلان القاهرة جاء سريعاً، ولمن لا يعلم فإن مصر لم تكن لترتكن لجهة حفتر أو غيره، ولم تأت لدعم طرف بعينه على حساب الآخر- نعم نتفهم أن ليبيا والجوار الغربي بالنسبة لمصر، هو آمن قومى، بل كل مجهوداتها وتحركاتها جاءت من أجل هدف أوحد وأسمى، ألا وهو حفظ أمن وسلامة الشعب الليبي، كالعادة انتهجت القاهرة التدخل الرصين، والحلول الدبلوماسية من أجل حل الأزمة الليبية، ودعوة الأطراف كافة إلى الالتزام بالحل السياسي، والبعد عن العسكري، وهوما برز جليا فى توصيات الإعلان وأهمها:
- التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن، والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من 8 يونيو الجاري.
- ارتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين، التي نتج عنها حلا سياسيا شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية)، واحترام حقوق الإنسان، واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
- استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف، برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، حتى تتمكن القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسؤولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد.
والمدهش فى المبادرة المصرية أيضاً، هو التوقيت والآنية، حيث أعقبت تراجع حفتر عن طرابلس مباشرة، وتحركت من أجل السيطرة على الأوضاع،فبالرغم من نجاح قوات الجيش الليبي فى السيطرة على طرابلس منذ شهور، إلا أنها تقهقرت الأسبوع الماضى منسحبة، لتفرض قوات حكومة الوفاق السيطرة الكاملة على طرابلس، ومنها على مدينة ترهونة آخر معاقل حفتر بغرب ليبيا، لتعلن أيضا بدء عملية عسكرية لتحرير مدينتي سرت الساحلية ومدينة الجفرة وسط البلاد من قبضة قوات حفتر، وإن كانت قبلت بمفاوضات الأمم المتحدة، لتتحرك القاهرة من أجل حفظ التوازن، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل والأهم تغليف الوضع بغلاف سياسي أبعده كثيرا، عما أثير بخصوص نوايا حفتر، وانتهاجه النهج العسكري، ومنه ركز الإعلان فى أهم بنوده على :
- العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة، واستثمارا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية.
- إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية، مع تحمل الجيش الوطني مسؤولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واستعادة الأمن في المجال البحري، والجوي، والبري.
الجهد المصرى مثل طفرة واضحة، من شأنها إعادة ليبيا بل وانتشالها من حالة اللا دولة، والتي تعانيها منذ أعوام، بل وأكثر من ذلك أن اكتمال النصاب المؤسسي، هو أولى خطوات النهوض لأى دولة بالتالى اشتمل الإعلان على:
- قيام كل إقليم من الأقاليم الثلاث بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب والنخب السياسية من المثقفين والنقابات.
وشدد هذا البند على أن تجتمع اللجان الثلاث تحت رعاية الأمم المتحدة ويتم التوافق عليها، ويتولى كل إقليم اختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو بالانتخاب وذلك في مدة لا تتجاوز 90 يوما.
- قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي ونائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية، بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء ليقوم بدوره هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدا لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.
- يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة، فيتم اتخاذ القرارات أو البث في المقترحات التي يقدمها القائد العام للجيش في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام.
- حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارة طبقا لعدد السكان، عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة، على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، مجلس الوزراء).
وأوضح هذا البند أنه يجب أن يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وإقليم برقة على 7 وزارات وإقليم فزان على 5 وزارات، على أن يتم تقسيم الوزارات السيادية الست على الأقاليم الثلاثة بشكل متساو، وزارتين لكل إقليم مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.
- اضطلاع مجلس النواب الليبي باعتماد تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، وذلك عقب قيام اللجنة (تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز 30 يوما، بدءا من تاريخ انعقاد أول جلسة.
الرئيس السيسي كان واضحا، حينما ذكر عبارة - إن حسنت النوايا- فى إشارة إلى أن الإعلان سيظل مقيداً، وغير فعال، إلا إذا توفرت الرغبة والإرادة السياسية، والأهم مشاركة المجتمع الدولي، ومنه تم التركيز على:
- قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة، باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي.
- على المجتمع الدولي إخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية.
اخيرا.. ووسط كل هذه التطورات على الساحة الليبية، يظل الموقف الشمال الأفريقي، وتحديدا المغاربة، يحمل العديد من علامات الاستفهام؟!
Comments