bah أمام مجلس الأمن.. مصر تنجح فى تفنيد أزمة السد الإثيوبي - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أمام مجلس الأمن.. مصر تنجح فى تفنيد أزمة السد الإثيوبي

07/01/2020 - 20:59 PM

بيروت

 

 

بقلم الكاتبة الصحفية: إيريني سعيد

 

بعد عقد من الرصانة المصرية بل و النهج المرن إزاء التعامل مع أزمة سد النهضة، و الذى طالما قوبل بالتعنت السافر من قبل الجانب الإثيوبي، لم يكن أمام مصر، و فى إطار خياراتها السياسية من أجل حل الأزمة، سوى الإتجاه لمجلس الأمن، و وضع القضية على مائدته، حيث نجحت الخارجية المصرية و بامتياز في تفنيد الأمر، و عرضه على نحو أبرز - و بهدوء شديد _ كافة المخاطر و التى ستواجهها مصر جراء السد الإثيوبي، حيث قال شكري فى كلمته أمام المجلس: إن مصر كدولة مسئولة ارتأت عرض الأمر على مجلس الأمن لتجنب المزيد من التصعيد ولضمان ألا تتسبب الإجراءات الأحادية في تقويض فرص التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، أو المساس بحقوق ومصالح دولتي المصب، أو، وهو الأمر الأكثر خطورة، تعريض حياة أكثر من 150 مليون مواطن مصري وسوداني للخطر، على نحو يُفاقم التوتر في منطقة غير مستقرة، و استطرد بقوله، نحن في مصر نعيش في أكثر مناطق حوض النيل جفافاً، وبلادنا الأكثر شُحاً في المياه على وجه الأرض، فهذا الواقع القاسي يحصرنا فيما لا يزيد عن 7% من أراضينا، وعلى شريط أخضر ضيق ودلتا خصيبة يُقيم فيها الملايين، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه حوالي 560 متراً مكعباً سنوياً، الأمر الذي يضع مصر على قائمة الدول التي تعاني من الشُح المائي وفقاً للمعايير الدولية.

ومن ناحية أُخرى، فقد حبا الله إخواننا في إثيوبيا بموارد مائية وفيرة تتضمن متوسط أمطار يصل إلى 936 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، بالإضافة إلى أحواض 11 نهراً آخر، بعضها تتشارك فيها مع دول مجاورة، وهي الموارد التي توفر فُرصاً لا حصر لها للتعاون والتكامل الإقليمي.

وهذا كله يعني أنه إذا تم ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، وفي غياب اتفاق يحقق المنفعة للجميع ويحمي الأرواح وسُبل العيش لمجتمعات دولتي المصب، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الواقع الهيدرولوجي الصعب ويعرض الملايين في مصر والسودان للخطر.

وفى التأكيد على الدعم المصري للتنمية الإثيوبية والقبول بها، أكد وزير الخارجية، بقوله، نحن ملتزمون بالعمل بلا كلل لدعم جهود إخواننا في الدول الأفريقية، وخاصةً دول حوض النيل بما فيها إثيوبيا، لتحقيق الرفاهية؛ الأمر الذي يؤكده التاريخ الطويل للتعاون البنّاء بين مصر وتلك الدول في تنفيذ مشروعات تنموية عديدة؛ منها بناء السدود ومشروعات حصاد الأمطار وحفر الآبار وإزالة الحشائش التي تعيق تدفق النهر.

ويعكس ما تقدم إيماننا الثابت بمصيرنا المشترك كأفارقة، ويؤكد اقتناعنا بأن نهر النيل ليس حِكراً على مصر أو ملكية خالصة لأي دولة مشاطئة أخرى لهذا النهر، وإنما هو ميراث مشترك و وديعة مُقدسة لخير شعوبنا جميعاً.

ولذلك انخرطت مصر خلال ما يقرب من عقد كامل من الزمان في مفاوضات مُضنية حول سد النهضة، وكان هدفنا خلال هذه المفاوضات الشاقة هو الوصول إلى اتفاق عادل يمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية المشروعة وفي نفس الوقت يقلص من الآثار العكسية والضارة لهذا السد علي المجتمعات في دولتي المصب، وقد عملنا وبذلنا الجهد للتوصل إلى هذا الاتفاق حتى تستفيد إثيوبيا من القدرات التنموية لهذا السد مع الحد من مخاطره على كل من مصر والسودان.

على ضوء ما حواه خطابا حكومة جمهورية مصر العربية اللذان وُجِها إلى مجلس الأمن بتاريخ الأول من مايو و19 يونيو 2020 من تفاصيل خاصة بمراحل التفاوض حول سد النهضة، فإنني سأكتفي هنا بعرض المحطات والملامح الرئيسية لهذه المفاوضات الشاقة التي شاركنا فيها بحُسن نية وأظهرنا إرادة سياسية صادقة للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث التي تتشارك في النيل الأزرق.

فمنذ أن بدأت إثيوبيا بشكل منفرد في بناء سد النهضة، شهدت المفاوضات العديد من الاجتماعات الثلاثية والقمم الثنائية بين قادة الدول الثلاث.

وبالإضافة إلى ذلك، وفيما يؤكد التزامنا الذي لا يتزعزع وإيماننا الراسخ بقيم قارتنا الأفريقية، فقد عقدنا وشاركنا في عدة قمم واجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف مع أشقائنا الأفارقة لتيسير التوصل إلى اتفاق يُؤَمّن لإثيوبيا توليد الكهرباء بكفاءة واستدامة مع الحد من الآثار السلبية لهذا السد، ومنع حدوث الضرر الجسيم لدولتي المصب بسببه.

وعن الجهود المصرية طيلة عقد من المفاوضات مع إثيوبيا، قال وزير الخارجية كما عقدنا عدداً لا يحصى من الاجتماعات الثلاثية لوزراء الموارد المائية وللخبراء الفنيين، بالإضافة إلى لقاءات عديدة لوزراء الخارجية لإحاطة هذه المفاوضات بالدعم السياسي، كما شكلنا لجنة مستقلة من الخبراء الهيدرولوجيين لإعداد رؤية محايدة لسيناريوهات ملء وتشغيل سد النهضة.

ولكن، للأسف، لم تُحقق هذه الجهود أي نجاح.

ولتخطي هذه العقبات وإعطاء دفعة لمحادثاتنا، فقد أبرمت الدول الثلاث في 23 مارس 2015، اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة الأثيوبي، وهو اتفاق دولي وضع التزامات واضحة لا غموض أو لبس في مضمونها، أهمها إعادة تأكيده على التزام إثيوبيا القانوني بإجراء دراسات فنية تفصيلية حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العابرة للحدود للسد، وعلى التزام إثيوبيا السياسي والقانوني بالتوصل إلى اتفاق على القواعد الحاكمة لعمليتي ملء وتشغيل سد النهضة بين الدول الثلاث، والالتزام بعدم المضي في ملء وتشغيل هذا السد إلا بعد التوصل لهذا الاتفاق، والذي سيضمن لإثيوبيا الاستفادة من الطاقة الكهرومائية لهذا المشروع مع الحد في الوقت نفسه من آثاره السلبية على دولتي المصب.

وللأسف، ورغم أن الدول الثلاث تعاقدت مع استشاري دولي للقيام بهذه الدراسات حول آثار السد، إلا أن عملية إجراء هذه الدراسات قد عُرقِلت، فلم يتم الانتهاء منها. كما أنه لا توجد لدينا ضمانات حقيقية حول أمان هذا السد وسلامته الإنشائية، ما يعني أنه، وعلى ضوء غياب البيانات العلمية والفنية الكافية عن هذا السد، فإن مجتمعات دولتي المصب مهددة بأن تعيش تحت وطأة تهديد لا يُعرف مداه ولا أبعاده.

فإذا وقع مكروه - لا قدر الله - لهذا السد الضخم، فإن ذلك سوف يعرض الشعب السوداني الشقيق لمخاطر وجودية في غضون أيام قليلة، كما سيُعرض مصر أيضاً لمخاطر جمة. وهي المخاوف التي لها ما يبررها، ولعلنا نستذكر ما حدث عام 2010 في سد جيبي 2 على نهر "أومو" الذي انهار جزء منه بعد بضعة أيام من افتتاحه، والآثار التي ترتبت على ذلك.

وفى إشارة إلى النوايا المصرية الخالصة جاء في كلمة شكري، تأكيدا لموقفها المبدئي القائم على ضرورة ملء وتشغيل سد النهضة وفق اتفاق يحقق المنفعة للأطراف كافة ويعزز من مصالحها المشتركة، قبلت مصر دعوة فخامة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا لعقد اجتماع غير عادي لهيئة مكتب القمة الأفريقية يوم 26 يونيو الجاري للتشاور حول هذا الموضوع.

وقد هدف هذا الاجتماع إلى ضمان التوصل لاتفاق حول سد النهضة في أسرع وقت ممكن، وعليه تم الاتفاق على عقد اجتماعات فنية على المستوى الحكومي لتحقيق هذا الهدف خلال أسبوعين.

كما التزمت إثيوبيا خلال هذا الاجتماع بألا تتخذ أي إجراءات أحادية لملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى الاتفاق، وهو التعهد الذي لا يمكن تفسيره إلا كالتزام واضح بضمان ألا يتم ملء سد النهضة إلا وفق قواعد تتفق عليها الدول الثلاث.

إن أي فهم آخر أو تفسير مغاير لهذا الالتزام سوف يشي بغياب الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة وسيكشف عن رغبة لفرض أمر واقع غير مقبول على دولتي المصب، وسعي لإنفاذ إرادة دولة المنبع على دولتين تشاركها في نهر دولي، وهو ما سيجعل أي مفاوضات أخرى بمثابة جهد عبثي.

ولتوضيح المطالب المصرية، ناشد شكري مجلس الأمن لحث الأطراف على التفاوض بحسن نية للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، والامتناع عن أي إجراءات أحادية حتى إبرام هذا الاتفاق... وحتى نصل إلى مُبتغانا هذا، يجب أن يظل الأمر قيد نظر المجلس في إطار اضطلاعه بواجباته.

واختتم وزير الخارجية بقوله، أود أن أؤكد مجدداً على أننا مستعدون لبذل كل الجهد للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة. لذا، فإنني أدعو أصدقائي وزملائي في إثيوبيا والسودان إلى استدعاء روح الأخوة والقربى التي تربط بين بلادنا وشعوبنا، وأن نعلي الحقيقة الثابتة بوحدتنا وترابطنا، وأن نغتنم الفرصة السانحة أمامنا لصياغة مصائرنا وإعادة كتابة تاريخنا، ورسم مسار جديد من السلام والرخاء لشعوبنا.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment