بيروت
بقلم: صالح الطراونه
كان هناك صمت عميق ثم فجأة دوى ضجيج حاد في الهواء، فقد كان الفجر في متناول اليد، فجر الصيف الذي لامس السماء الوردية في بيروت، ولامس أسقفها وجدرانها التي تتميز بلونها الخاص، فقد كانت كالشعاع النازل من عناق الشمس المشرقة لتلف العالم المستيقظ بالضوء والأمل، وكانت كبقعه من السماء الزرقاء تظهر هنا وهناك ومن خلال السحب التي إجتمعت وتراكمت الواحدة فوق الأخرى في الحزن المواجه لنافذتها البحرية، جلست بيروت ورأسها على وسادة الأمل فقد كانت وما تزال خطوطها تخفي وجعها بكل قوة رغم وجود النظرات الخافتة في عينيها تتسلل من السماء.
نهضت من حضن واقعها، وأعقب ذلك نظرة رعب ذهبت من عينيها، حتى نبضات قلبها تنبض بسرعة والدم المتدفق يسخن ويريح كل شبر من أرضها كأنها كانت تعلم أنها ستبكي مرة أخرى عندما رأت يديها الرقيقتان مطويتين في الموت وهي التي لم ينظر إليها إلا بالحب الثابت والعشق الأبدي.
كانت البيوت كئيبة وكانت مساحة السماء فوق بيروت بلون البنفسج المتغير بإستمرار وفي أول شوارعها القديمه ترددت صيحاتنا في الشارع الصامت فقد قادتنا دروبنا عبر الممرات الموحله المظلمة خلف المنازل بضجيج يعمق مقدار الفاجعة التي ألمت ببيروت، وكانت الأم المنكوبه الميته باردة ولا تزال وسط أطفالها البائسين فلقد سقطت على عتبة بابها وغطتها الدماء وماتت قي حضور أطفالها الخائفين فقد مس الموت ربيع إنسانيتنا المشتركة وذهب الجميع على عجل بعضهم يرتدي ملابس القبور لدفن جسدة " وبقيت الأم المتوفاة تحت الأرض إنه لشيء قاس ان نتركها هكذا ونمضي نبحث عن عيون لطفل آخر نرى في وجهه الصبور الكثير من القلوب الجميلة.
كانت بيروت حديقة منبسطة مرصعه بأشجار البلوط ومهدبة بأشجار التوت.....
وكانت مكتباتها مرصوفة بالتاريخ عن بلاد الشام.....
واغصان الصنوبر فيها بدأت ذابلة من حر الحريق...
فتوقف النهر.... والمخيم...... وتوقفت كذلك أشجار الصنوبر عن الأنين
فبيروت كقطعة تتلألأ حدودها من الزهور ورغم كل هذا الدمار والخطوات الثقيلة ما زالت بيروت مرصعة بأشجار البلوط ومهدبه بأشجار التوت.
* كاتب وباحث اردني
Comments