bah يقظة التاريخ الباهتة في تطلعات اللبنانيين - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

يقظة التاريخ الباهتة في تطلعات اللبنانيين

09/05/2020 - 18:30 PM

Atlas New

 

الدكتور نسيم الخوري

عادت المؤشّرات والأحايث تلهج بالإرهاب الذي قد يطلّ رأسه مجدّداً من شمالي لبنان. وعاد وقع تلك المؤشّرات يورث إرباكاً وتحسّباً قد يكون مبالغاَ فيه لدى اللبنانيين باعتبارهم منهمكين حتى العظم بجراحاتهم وزلزال عاصمتهم الكارثي وعدم قدرتهم على ضبط الكورونا المتفشّية، بينما لبنانهم الرسمي ودولتهم تلهو بالكثير من المقابلات والإستقبالات والإنهماكات البعيدة عن الملفّات الثقيلة والدامية المحصورة في تغيير الحكومات المستنسخة بالشكل والمضمون.

وتبرز الضغوطات اللافتة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النموذج الجاذب للتغيير الذي حقّقه في بلاده والذي يسعى إلى دفعه في لبنان اليائس من إمكانيات التغيير الجذري في زمن ضائع تنهمك فيه أميركا وإسرائيل بانتخاباتهما القريبة ليخلو الميدان له مستعيداً أضواء مئوية لبنان الكبير الضعيفة في ال1920 وكأنّ يقظة التاريخ وأعياده لم تعد تكفي تطلّعات اللبنانيين وأحلامهم بل هي تساهم في تشظياتهم وهذا تراجع خطير.

عاد التحديق الحاد بتركيا وكأنّها كلمة السرّ الخطيرة المترصّدة في الشمال، تعلق بأذيالها بقايا موجات الإرهاب والأفكار والأنسجة المستوردة لإيقاظ الخرائب في بلدٍ ضعيف مباح ومستباح. يتجاوز الأرهاب المأساوي في لبنان التنبيه إليه فقد صار واقعاً في جانبه المأساوي على وطنٍ يقيم في المآسي.

ليست تركيّا بعيدة عمّا يشاع، إذ تنام وتحت وسادتها إدّعاءات حاجتها الدائمة للغرب وبخاصةٍ أميركا لتوسّع ملاعب عثمانيتها. إنّ تفكيك الحركة التركية ضرورة عربية وقومية قبل بدايات ما عرف ب"الربيع العربي" في العقد الأخير وبعده، وكشف إلتباسات المواقف التركيّة من صفر مشاكل الى أعداد لا تنتهي من مشاكلها مع العرب والمسلمين من حولها والبعيدين عنها.

قد نفهم فوراً، يقظة أو إستغراق العرب والمسلمون والمسيحيون في رفضهم لتركيا العثمانية التي تشعل أمامهم عصور القهر وقطع الرؤوس ومصادرة الكنائس والظلامية المتجددة التي لا يمكن محوها، فوق بلاد العرب 514 سنة قبل أنهيار إمبراطوريتهم في فراشها فاتحةً الطرق للتقسيمات التي لم تمت ولم تنته حتّى في الإحتفال المئوي لولادة لبنان الكبير.

قد يتصوّر الكثير من المسلمين والعرب الآن، أنّ إسرائيل هي المستفيدة الأبرز من الفوضى وعدم الإستقرار وخصوصاً في سوريا والعراق، وهذا تصوّر منطقي وصحيح، لكنّ المستفيد الحقيقي الأكثر بروزاً من هذا الوضع هي تركيّا. لم يعد يعني التركيز التركي على القضيّة الفلسطينية أو التمسّك بغزّة بعد شيئاً كبيراً.

ولا تعني مواقف حزب العدالة والتنمية بصفته وللتذكير، كان المتحفّظ الأوّل على التحالف الأوّل في الـ 2003 عشية الهجوم على بغداد موقفاً مخفيّاً ووازناً لأنّ الأغطية الكثيرة تتكشف تباعاً في أكثر من دولة وصولاَ إلى ليبيا ولبنان. تتّكيء على عضويتها في حلف شمالي الأطلسي، وصحيح أنّ القاعدة العسكرية الأميركية ما زالت ترضي غرورها لكنها لن تتمكّن من استخدامها إلاّ لوجستياً، وما مناكفتها لمصر والخليج والعرب سوى تعريتها أكثر فأكثرالدولة الإقليمية الخطيرة التي لم يعد يغطّي أنفها المحشور في شؤون العرب وثرواتهم ومتوسّطهم، والذي قد يجعلها تتشارك مع إيران وإسرائيل وبعض الغرب كراهية للعرب.

لن تتمكّن تركيا من إخفاء وجهها عبر المساعدات ومزاحمة الدول الصديقة على كسب ودّ المحيط، لكن نواياها طافية على سطح صراعات المسلمين بشكلٍ عام، بوصفها مرجعية إقليمية ملتبسة متحالفة إستراتيجياً مع الإخوان المسلمين ومشاريعهم بما هم فيه من إدّعاء بالإسلامية المتنوعة للتكفيريين بمختلف أصنافهم ونزعاتهم وألوانهم وصولاً الى نسختهم المبطّنة بإسم داعش التي تطلّ برأسها من الشمال اليوم.

كلّ يوم يكتشف العرب قناعاً جديداً لتركيا يجعلها مثل الراقصة سالومي بألف ثوب وثوب ودورٍ ودور. تأخذ تركيا في أقنعتها المختلفة صورة الإسلام المستورد أو النسخة المعدّلة وفقاً لتوجهات المطامع. منذ حلول "ثورات العرب"، هي الملاذ والفندق والمدرّب والمسلّح والمؤهّل والمموّل والمقاتل والمتواطيء والمساعد والباب المفتوح على خرائب سوريا والعراق والعرب ورعاية الإرهابيين المتعدّدي الجنسيات ذهاباً وإياباً الى درجة تغذية مناخ من عدم الإستقرار تصدّق معه أنّه لا يتمّ رصد كلّ ما يمرّ عبر بواباتها من تهديد فاضح للسلم والأمن في الشرق الأوسط.

وبالرغم من الخلافات الكبرى التي طافت على سطح المنطقة بين المرجعيات الدولية والتباين في علاقاتها لحماية لمصالحها، لعبت تركيّا الحافز الذي يسهّل عبور الغرب المتأزّم إقتصادياً الى جعل شعوب المنطقة أكثر تجذّراً في إسلاميتهم وأكثر قبولاً لتحويل بلادهم أسواقاً خائفة ومتعطّشة للسلاح لتكديسه في مخازنها، أو لإمتحان فعاليته ، خصوصاً عندما طغت صورة إيران النووية على كلّ إنشغال آخر في العالم.

حسرت تركيّا عن وجهها، منذ نشوء حزب "العدالة والتنمية" (2002) بصفتها دولة الإرشاد الإخواني، المتأنّية مع رجب الطيّب أردوغان في إدّعاء مناهضة التعصّب الديني، وقد فشلت وستفشل في تقديم نفسها بأنّها النسخة المعتدلة سواء لتقليد الأحزاب الديموقراطية في أوروبا والعرب والعالم، أو للتناغم مع المحيط العربي.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment