bah نحو تخليص الحرية والديمقراطية من الأمراض المزمنة في لبنان - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

نحو تخليص الحرية والديمقراطية من الأمراض المزمنة في لبنان

10/10/2020 - 19:11 PM

Bt adv

 

 

الدكتور نسيم الخوري

 

إلى النائب فيصل عمر كرامي

 

أرغب بكلمتين، ولو بالعودة إلى معاني الديمقراطية والحريّة التي تأسّست في رحم اليونان، لأمسك بيد النائب فيصل رشيد كرامي وبعض السياسيين والأكاديمييين والقرّاء في لبنان، قاصداً تصويب الإنتباه للشطط الناتيء في فهم المصطلحين وممارستهما، بعدما أعلن حضرته من اسطمبول، فتح شمالي لبنان وعاصمته طرابلس الفيجاء، منطقة تركيّة، وتركيّا مشغولة اليوم بتطويل أياديها في الإتّجاهات كلّها ومن ضمنها اليونان إبنة الإغريق والفلسفة والفكر. 

إقرأ فيصل أفندي:

وصلت اسبارطة القديمة، أيّها الفيصل، إلى حضارة ناصعة بين 1650-1500 ق.م. قبل أن تنهار في ال 1450 ق.م. ليغطس اليونانيون في الظلمات قروناً أربع ، وتتحوّل بلادهم مرتعاً لمجموعات من المدن المتناحرة بالصراعات الدموية والحروب لتخرج مجدداً نحو السياسة Politiké باليونانية، ومعناها حسن إدارة شؤون الناس وأعمالهم. واشتق المصطلح من اسم المدينة Polis لتعمّم فكرة الـ Politique في اللغات والتجارب الغربية، ومنه جاءت كلمة البوليس المستعملة في مدن العالم إشارة الى الشرطة المظهر العملي لمعنى السلطة.

غرقت بلاد اليونان في تاريخها الملكي Monarchie الطويل وفيها الملكية المطلقة والملكية الدستورية. والـ Mono تعني الواحد والـ Archia تعني السلطة، ثمّ حفل التاريخ بظاهرة تنحية الملوك والزعماء التقليديين عن سلطاتهم العسكرية والسياسية مع الإحتفاظ بدورهم الديني فقط، لتؤول السلطة الى مالكي الأراضي والمتمولين الذين فرضوا على المدن نوعاً من الأنظمة الأوليغارشية Oligarchique وتعني ممارسة السلطة أو حكم الأقليّة من قبل عدد محدود من الأفراد والعائلات الميسورة، وعدم إشراك الآخرين بها.

هكذا أفرزت إسبارطة مجلساً قوامه ثلاثون يونانياً ينتخبون من بين المواطنين دون الستين لإدارة الحكم. تفككت السلطات العفنة، وشاعت الجدلية بالحواريات، الشكل الديمقراطي الذي شاع في اليونان في القرن 16 ق.م. والقائم على الحرية والمساواة والإعتراف بالآخر، وغدت أثينا مهد المؤسسات الديمقراطية عرفت بال Ecclesia الكلمة التي منها اشتقت كلمة Eglise أي الكنيسة مع ظهور المسيحية.

لم ينم لبنان وشماله تحديداً بعدما حطّ فيصل كرامي في اسطمبول معلناً وضع لشمالي لبنان في أحضان أردوغان. هناك من علّق ب"الحفاظ على ورقة التوت" وآخرون بالمثل الشعبي: "اللذين استحوا ماتوا". ولا أظنّ أن إبن كرامي بالياءأو بالتاء يقبل هذا.

لطالما نشرنا أنّ مشكلة لبنان الحقيقية هي في تلك الهويّة، وكأن لبنان بلد لا هوية له ولا شكلاً ولا طعماً ولا حضوراً ولا تاريخاً ولا مستقبلاَ ولا داخلاً إلاَ في ما يأتيه ويرتأيه مسؤوليه من الخارج كلّ خارج وأي خارج. وكأنّ لبنان وطناً مجوّفاً لا داخل فيه سوى الطائفيات التي تستلزم الكلام دوماً عن الأقليّات التي تدمغ السياسات والإجتماعات والشاشات بالإختلاف والفروقات والتمايزات وتبادل الإضطهادات والرعايات المستوردة. ويصبح التهميش والإستئثار والذميّة والغبن والهيمنة لوازم جاهزة في الأحاديث والزيارات والمواقف الطافية على سطح الكلام بل في السلوك اللبناني الكثير والعجيب والغريب، والذي تعلق بجذوره عند زوال الأمان بين المتكلمين من أهل السياسة مسائل أخرى مثل والشتائم والسباب والتهديد المتبادل بالتقسيم والفدرالية والإزدواجية، وكلّ ذلك باسم الحريّة والديمقراطية المستعارة المغلّفة بمضامين بعيدة وتفضي غالباً إلى الحروب الأهلية المتجددة والهجرة والتهجير وجعل لبنان مقاطعات وتحالفات وردود فعل مفاجئة لا يمكن إدراجها سوى البعث لحفّات الذقون المتنوعة لمن ورثوا زعامات العثماني وغير، وقد كان يتمّ توزّيعها عطايا على قلّةٍ من الإقطاعيين. 

كان يفترض بالشعب اللباني يومذاك، إعلان العصيان المدني وإتّهام الخارجين بالخيانة العظمى وسوق رموزهم إلى المحاكم الشعبية لو كان هناك إمكانيات أو هويته مغروزة بأرضهم ويسقونها أبداً بدمائهم.

صحيح أنّ الديمقراطية في لبنان مشوّهة وهي لم تعد، أيها النائب، مصطلحاً مستقلاًّ، يمكن استعماله، في الأحاديث والنصوص، من دون صفات تفسّره، مثل الديمقراطية المستوردة والديمقراطية المسلّحة أو ديمقراطية الطوائف وآخرها الديمقراطية التوافقية التي نسفت المفهوم عبر الإجتهادات المشوّهة أو بالتكاذب والتحاصص وتبادل المنافع وغيرها من الصفات الكثيرة التي أفقدت المصطلح معانيه الحقيقية ومضامينه التاريخية الأصيلة، وصحيح أنّ تلك الإستعمالات والخفّة أورثت تشويهاً بائساً بالديمقراطية كمفهوم على ارتباط بالحرية والقوة والسلطة والحق والسيادة والإستقلال، لكنّ الأصح أن لبنان لم يعد اليوم في منزلة تقاسم أرضه وتوزيعها كيفما اشتهينا، فطرابلس اليوم من العواصم المتقدّمة في المنطقة بكثافة أبنائها الواعين والمعلمين والأكاديميين والذين يحتلون أعلى المراتب في لبنان وكذلك في أرقى عواصم الدنيا. ولو شاء المقام لسردت لكم عشرات الأسماء التب عرفتها في السياسة والإجتماع والفنون وإدارة شؤون الدنيا وأنتم لستم السند الذي تقع الأوطان فيها إن لم تكونوا.

للأسف، يجد الباحث اللبناني الذي يعمل على تصفية تلك المصطلحات وتفصيلها وتنشيفها تحت شمس التاريخ أسير كتاب نقولا مكيافللي في كتابه "الأمير" الذي ما زال بعض السياسيين يضعونه تحت وسائدهم حفاظاً عى تركاتهم الهزيلة. أوصى ميكيافلّلي أميره خلط الدين بالسياسة كمفصل ضامن وحافظ للسلطات العائلية الموروثة عبر إيقاظ العصبيات الدفينة وتسخيرها لأغراض دنيوية لا تمتّ بصلات محترمة لا للدين ولا للمذاهب ولا للأخلاق التي جاءت بها الكتب السماوية التوحيدية.

 يتجوّف مصطلح الديمقراطية نهائياً في لبنان، إذن، بصفته ساحة الخلط بين الدين والطائفة والذهاب باقتطاع منطقة جغرافية إلى ما شاء حفيد "الزعامة" من دول محيطة بنا أو بعيدة عنا بالجغرافية أو بالتاريخ وحتّى بالنظرة إلى المستقبل. 

 

*كاتب سياسي وأستاذ جامعي، المعهد العالي للدكتوراه.

drnassim@hotmail.com

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment