عبد الناصر
محمود كامل الكومى*
لا بد من تعظيم المجرمين من يمصوا دماء الفقراء، ويضربون الشعب بالسياط. كل ما هو استعماري صهيوني لابد أن يكون على العين والرأس.
يحكم مصر على مدى تاريخها أجانب، ومماليك ( مملوكة وأعتقت لتحكم المصريين ) عثمانيين، بل والباني هجين، والمندوب السامي البريطاني يصول ويجول في أرض المحروسة يعطى الأوامر بالجباية من الشعب – وكل القوى الرأسمالية والإقطاعية تتطفل وتشارك الملك المرابي والاستعماريين، وفى شرع اشراميط هذا عصر، الازدهار المبين .
يحررنا، أبن مصرنا، ومن طين صعيدنا، من كل الأجانب والاستعماريين، ويعيد للمصري مصريته وحريته وأن يحكم بلده منذ زمن بعيد،وينحاز للفقير ويعيد التوازن الاجتماعي، ويحررنا اقتصاديا وسياسيا، فهذا شيطان مبين، لابد أن يشوه ويرمى به في جحر الثعابين .
يشيعه شعبه وسط طوفان البشر وبحر الدموع، أذن لابد أن يدنس قبل الرجوع - يمضي نصف قرن على رحيله في رحاب الله، إذن لابد أن يغتال في قبره، ويموت، لأنه مازال الحي رغم الكفن الخالد في لوح الزمن .
لا يريدون للرمز لاية أن تدوم، ولا للفارس المقدام أن يظل على جواده شاهرا سيفه ضد الصهاينة والاستعمار، فمثل ذلك يُقتَدَي به، والقدوة في شرعهم لا تكون الا لخائن أو عميل أو مافيا رجال الأعمال التي تنهب البلاد وتمص الدماء لصالح البنك الدولي والرأسمالية الصهيونية والعالمية .
كان صراعه مع العدو الصهيوني صراع وجود من اجل فلسطين عربية بها يحقق وحدة الشعوب العربية من المحيط للخليج، لذلك فهو مغدور، وفى قبره لابد مقتول، فحكومات الرجعية ت تقزم أمام إسرائيل وتصنع منها القائد والمعين، وتشعل النيران في الدول التي تقبض على جذوة النار ’ تقاوم التطبيع، ولذلك في شرع كل من يقيم علاقات مع إسرائيل.
عبد الناصر لابد أن يشوه ولا يدوم !!
مافيا الرأسمالية العربية وحكام الرجعية يواصلون من خلال آلياتهم الإعلامية أدارة الديماجوجية من أجل هزيمة الشعوب والتدني بها إلى القاع وتحطيم آمالها وانهيار معنوياتها في التطلع إلى المستقبل .
اى ثورة وطنية على حكم الأسر العميلة للاستعمار والصهيونية ،والأجنبية، لابد أن يشوه وجهها بماء النار .
قتلوا الشهيد ألحمدي في اليمن لأنه على طريق عبد الناصر وبجانب جثته وضعوا جثة امرأة مدعين أنه كان على علاقة جنسية بها زورا وبهتانا – لتشويه رمزيته .
كان المناضل محمود نور الدين الناصري قائد تنظيم ثورة مصر، وقتل العديد من رجال الموساد بالقاهرة – ولما أحسوا إن الشعب المصري يُثمن بطولته، وصموه بتجارة المخدرات لتشويه بطولته، وانحدار رمزيته الشعبية، لولا إن هناك قضاء عادل قضى ببراءته من هذه الفرية، وفى حيثيات حكمه أشار إلى إن الأوراق ينبعث منها روائح الكذب والتلفيق والافتراء.
أزالت الجماهير تمثال ديليسبس من بورسعيد لأنه رمز من رموز الاستعمار والنصب على الشعب المصري وقتل عشرات الآلاف في حفر قناة السويس – لكن محافظ بورسعيد مافيا رجال الأعمال وعملاء الصهاينة والاستعمار، رمموا التمثال وارسو له قاعدة عند مدخل قناة السويس وأرادوا لهذا الزنديق أن يخرج لسانه للشعب المصري، ويقف عند شريان مصر الحيوي ليكون كمدا للشعب، ودليلا على انتهاك الإرادة الشعبية – لكن هذه الإرادة تحدت وأعادت التمثال إلى قبره.
هكذا يمجدون المستعمرين والرجعيين والأعداء ومصاصي دماء الشعوب، و ينحدرون بالأبطال ويشوهون نضالهم وتاريخهم حتى لا يقتدى بهم الشعب.
الفريق أول محمد فوزي الذي بني جيش مصر بعد نكسة 1967 من الصفر حتى صار من أعظم الجيوش في فترة زمنية في عرف العسكرية معجزة بكل المقاييس، وضعة السادات في السجن وحكم عليه بالمؤبد .
الفريق سعد الدين الشاذلي قائد العبور ومحطم خط بارليف - ولو ظل في مكانة رئيسا للأركان لكان قضى على ثغرة الدفرسوار - حكم علية بالسجن في عصر السادات ونفذ الحكم في عهد مبارك .
كل ذلك لتقديم أوراق اعتمادهم للصهاينة والأمريكان .
والآن وبعد نصف قرن على وفاته، تمارس بعض الأجهزة في مصر وعلى أعلى المستويات الحملة على جمال عبد الناصر، كرمز للعروبة والنضال واحتضان الفقراء، وعدو إسرائيل اللدود – الحملة لقتل عبد الناصر في قبره، ومنذ سنوات لا تتعدى اليد الواحدة حيث تم الاحتفال بثورة عبد الناصر 23 يوليو في سفارة مصر بتل أبيب وعلى قرقعات الكاسات شرب نتنياهو وزوجته ورئيس الكيان الصهيوني مع السفير المصري وزوجته نخب قتل عبد الناصر في قبره، والآن يهاجم عبد الناصر ويُفتري عليه بأنه بدد الغطاء الذهبي في حرب اليمن – ولن أرد الفرية، فتلك لا تحتاج لرد، والرد عليها من خلال كلام رئيس مصر – الذي قال أن خبراء من كوريا الجنوبية جاءوا إلى مصر في الستينات ليدرسوا تجربتها الاقتصادية في التنمية والتقدم، ثم أردف بعد برهة أن الغطاء الذهبي تبدد في حرب اليمن ؟ كيف تحقق مصر التقدم والتنمية، وتبدد غطائها النقدي من الذهب ؟! اترك لكم الاستنتاج .
لكن ما يبعث على الرثاء أن يواصل رئيس الحكومة هذا الكلام أن غطاء وليدرك رئيس الوزراء أن ربط الجنيه المصري بالجنيه الإسترليني لم يعد يُقيم على أساس القاعدة الذهبية، منذ الحرب العالمية الأولى بل يقيم بالإسترليني أيا كانت قيمة الإسترليني، و في 1961 تم تأسيس البنك المركزي المصري وتولي مهمة تثبيت سعر الجنيه أو تحريكها فقام بتثبيت السعر عند متوسط 40 قرش مقابل الدولار.
وظل الحال على هذا المنوال حتى أوائل السبعينات عندما بدأت أمريكا تغييرا جوهريا في سياستها النقدية حيث قررت تحرير العلاقة بين الدولار والذهب لينطلق الذهب في ماراتون الصعود من 38 دولار للأونصة ( 31 جرام تقريبا ) إلى 1350 اليوم ساحقا أمامه كل العملات أذا لم يكن هناك تسعير للجنيه المصري على أساس اقتصاد الدولة لأنه أصلا لم يكن هناك اقتصاد دوله قبل ثورة يوليو (كما يدعى رئيس الوزراء) و كان موجود اقتصاديات أفراد معظمهم أجانب و الجنيه كان تابع للإسترليني وإن قصة الغطاء الذهبي هذه انتهت من قبل ثورة يوليو بكثير وإن جمال عبد الناصر حافظ تقريبا على قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار كما كانت عليه سنة 1950 برغم كل الإنشاءات والإنجازات والحروب.
يعني حكاية الغطاء الذهبي اللي فقدناه في حرب اليمن، اختراعات وتلفيق لماذا ؟ لأن البطولة والرمزية للفارس المقدام - الذي ينحاز للفقراء ويذوب الفوارق بين الطبقات ويقرر مجانية الصحة والتعليم، ويدرك الصراع الوجودي مع اسرائيل من اجل تحرير فلسطين لتحقيق الوحدة العربية - لابد أن تنهار ليفقد الشعب كل أمل في المستقبل ويكفر بكل أبطاله وزعمائه الوطنيين والقوميين .
ولو أدركوا قيمة حرب اليمن, لتمسكوا بثورتها، وقد كان أحد أسبابها (بعيدا عن كل الأسباب المعروفة), إن اليمن القومي العربي سيكون نقطة مراقبة للأمن المائي المصري لحظة أن يهدده اى عائق من المنبع على هضبة الحبشة، لذا حينما تركوا اليمن نهبا للسعودية تجرأت إسرائيل وإثيوبيا وتم بناء سد النهضة لتعطيش المصريين، لذا عبد الناصر لم يضيع غطاء مصر النقدي من الذهب، إنما هو كان ومازال غطاء العرب الذهبي وليس مصر فقط .
فلابد إذن من اغتيال عبد الناصر ( بعد نصف قرن) في قبره – ورغم كل العداء للرجل ومحاولات اغتياله وتشويهه، فهو حي فينا بنضاله ومبادئه رغم الكفن خالد في لوح الزمن.
*كاتب ومحامى - مصرى
Comments