bah العاصي على الغياب - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

العاصي على الغياب

11/02/2020 - 18:04 PM

Bt adv

 

 

حسن الخطيب

 

Description: الظاهرة الرحبانية».. أسرار من حياة الأخوين رحباني وفيروز | المصري اليوم

وانفجر الخلاف على الإرث الرحباني من جديد. على ما يبدو أنّ المعركة احتدمت بين طرفي النزاع في عائلة الرحباني من جديد، وتتخذ المعركة التي بلغت درجات متقدمة من الإحتدام هذه المرة أشكالاً وعناوين مختلفة. وعلى الرغم من كثرة العناوين والضجة التي تحيط بالمعركة القائمة بين عائلة الأستاذ منصور وعائلة الأستاذ عاصي والتي تضع الناس في حيرة من أمرهم وتجعلهم عاجزن عن إدارك الأسباب الخفية لهذا الصراع، يجب العودة إلى أصول المشكلة لفهم تطور الصراع بين الطرفين على مر العقود. وكما قالت السيدة فيروز في إحدى المرات: الخلاف مع آال الرحباني منذ البداية، المشكلة معهم طويلة.

الأخوين رحباني: عاصي أو منصور

تبدأ المشكلة من قصة الأخوين. الأخوين عاصي ومنصور اللذان شكّلا ثنائيا استثنائياً صنع الفن اللبناني وأسّس المدرسة الفنية المعاصرة التي أطلقت رواد الفن من منتصف السبعينات وحتى اللحظة. شكّل الصمت والغموض أحد العناصر الرئيسية التي طبعت الأسطورة الرحبانية منذ البداية، ولعل أحد عناصر هذا الغموض هو الدور الذي لعبه كل من الأخوين في بناء المؤسسة الرحبانية. لطالما طرحت الأسئلة الأزلية التالية: من هو الأهم؟ عاصي أو منصور؟ من كتب أكثر؟ من لحن هذه الأغنية؟ من كتب تلك القصيدة؟ إلى أي نوع من الفن يميل كل من الأخوين؟. بقيت هذه الأسئلة من دون إجابات واضحة نظراً إلى أنّ الأخوين الذين ارتضيا على نفسيهما الذوبان في صيغة الثنائي لطالما رفضا الإجابة عن هذه الأسئلة. غير أنّ معظم شهادات الذين عاصروا مرحلة الأخوين لطالما أشاروا إلى أنّ سطوة ودور محوري لعبه عاصي في الأسطورة الرحبانية الفيروزية من دون إغفال أو التقليل من قيمة موهبة الأستاذ منصور. تعالوا معاّ نستعرض بعض الشهادات:

في مقال للكاتب أنيس منصور، يتحدث الكاتب عن رأي موسيقار الأجيال في الظاهرة الرحبانية قيقول الآتي: وهذا التعبير ليس من عندي، وإنما هو رأي محمد عبد الوهاب. فهو يعرف الأخوين رحباني. ويرى أن كليهما شاعر وفنان. ولكن عاصي له (لسعة)، له (بريق). ورأي عبد الوهاب قد ثبتت صحته بعد أن مات عاصي الرحباني. فالألحان التي قدمها منصور تنقصها هذه اللسعة، أو هذا البريق، أو هذا الحريق. ومن رأي محمد عبد الوهاب أن كلمة (الأخوين) ظلمت عاصي. فلمحاته الفنية تعادل جرأته اللحنية. والكلام لمحمد عبد الوهاب أيضا.

في مقابلة مع الإعلامية جيزيل خوري، قال الشاعر الكبير جوزف حرب: انا فهمت انو الإستاذ منصور عم يمضي حالياً باسمه منفرداً. انا كنت بتمنى لو ضلو يمضي باسم الأخوين رحباني لأنّو يللي عم يكتب مش منصور وحده، يللي عم يتكب عاصي ومنصور. الجسد راح عالقبر، بس تأثير عاصي على منصور سكن منصور. أخلاقياً ما بحقلنا نتدخل بصيغة هني الأخوين ارتضوها على نفسهن، بس أول شخص بوافق معي انو عاصي أهم من منصور هو منصور نفسه. عاصي أهم شخصية قطعت عتاريخ لبنان، انسان عنده انخطاف، شخص لعمر 49 سنة كان كاتب 90% من هالروائع يللي شفناها.

في مقابلة مع الإعلامي نيشان ديرهاروتيان، قال الفنان الراحل ملحم بركات: بعد ما فلّ عاصي بينت القصة كلها. انا دايما قلتها ومرة قلتها وصار مشكل كبير كيف بقول هيك. عاصي كان الحركة كلها و انا اشتغلت مع الأخوين سنتين وعرفت مين كان عم يشتغل. بعد ما مات عاصي، ما شفنا فن كبير، وين الأغاني يللي كان يعملوها بيت الرحباني، وين المسرحيات، كان هني يألفوا مش يجيبوا أعمال تاريخية.  

الآراء المذكورة أعلاه هي آراء أشخاص عاصروا الحقبة الرحبانية وعملوا بشكل وثيق مع الأخوين. ولكن من يريد التعرف أكثر على دهاليز الأخوين ودور كل منهما في القصة الرحبانية، الأحرى به العودة إلى مقابلة أجراها الأستاذ منصور مع الشاعر هنري زغيب فند بها بصراحة غير معهودة دور عاصي ودوره وتأثير فيروز في المسيرة الرحبانية التي غيرت تاريخ الفن العربي واللبناني. في هذه المقابلة التي أجريت في العام 1993 على مراحل في منزل الأستاذ منصور في أنطلياس، أطلق الأستاذ منصور العنان لصراحته وتحدث بجرأة وبالتفاصيل والوقائع عن قصة الأخوين وفيروز. تعالوا معاً نغوص في أغوار هذه القصة بالوثائق والصور.

حادثة الكمان كانت مفصلية بحياة عاصي،

ويتحدث الأستاذ منصور عن هذه الحادثة الطريفة ويقول أنّها البداية التي شكّلت منعطفا في حياة عاصي. (الصورة أدناه)

عاصي هو من بدأ الكتابة وكانت البداية من خلال مجلة الحرشاية عام 1938

عاصي هو كان المدخل الرئيسي إلى العلاقة مع الأب بولس الأشقر

فيروز جاءت متوجة منذ الإطلالة الأولى. اللقاء معها كان مفصليا في حياة عاصي. كانت هي المنتظرة لاكتمال المسيرة الرحبانية

فيروز لم تكن مغنية فقط بل ممثلة من الطراز الرفيع

صوت فيروز لم يكن صوتا عاديا وما تحمّله هذا الصوت من اختبارات لا يستطيع صوت آخر تحمّلة

 فيروز ظاهرة لا تتكرر وصونها المميز تأثر به الشعراء.

أول لحن وضعه عاصي بعد المرض هو ليالي الشمال الحزينة

كنا سريعين جدا في الإبداع لكن عاصي كان أسرع. الكتابة النهائية كانت دائماً بخط يده. هو من وضع الكتابة الاولى لمسرحية جبال الصوان في ثلاثة أيام.

مسرحية بترا في معظمها من تأليف عاصي الرحباني

هناك عدد من المسرحيات كتبت من أيام عاصي ولكن لم تر النور

 

1979: الإنفصال وبداية الحرب على فيروز

ووقع الإنفصال في العام 1979، وبدأت الحرب على فيروز وبدأ مخطط الإلغاء. الهدف كان واحداً: فيروز يجب أن تجلس في المنزل، يكفي ما وصلت إليه. يجب إقناع الناس أنّ فيروز لم تكن سوى مؤدية عادية، وأنّه يمكن صنع فيروز أخرى بكل سهولة، فهيا إلى العمل. إنذارات قضائية عند كل حفل لمنع فيروز من تأدية أعمال الأخوين، حملة في الصحف لتشويه السمعة والتقليل من أهمية أي نجاح، إخراج فيروز من منزلها في الرابية ثمّ من منزل بكفيا. فيما كانت فيروز تقيم سلسلة حفلات بين كندا وأميركا بعد الإنفصال وكانت أصداء النجاح تصدح بين القارات،

كانت هناك محاولات لإنعاش المسرح الرحباني الذي توفي سريرياً منذ أن هجره صوت فيروز. كانت البداية مع رونزا من خلال إعادة مسرحية الشخص في لبنان والسوبرانو عفاف راضي عبر إعادة عرض نفس المسرحية في مصر. في هذه الأثناء وكما كتب الصحافي عبد الغني طليس هاجت الذاكرة الشعبية التي اعتادت ربط الاخوين رحباني بفيروز لا بغيرها، واستُقبلت رونزا بسوء بالغ (من دون مناقشة صوتها) لأنها تحولت في نظر الجمهور بديلا ممن لا يرضى الجمهور منها بديلا، اي فيروز. ولم يمر وقت طويل حتى اقتنع عاصي ومنصور ان عملية الاستبدال، سواء خططا لها لتكون استبدالا ام لم يخططا، لن تنجح، وان تراجع مستوى الاقبال – قياسا بالماضي – الجماهيري والنقدي على المسرحيتين المشار اليهما مع رونزا، بالاضافة الى وَهَن نصيهما وبنائهما المسرحي اصلا، ادلة قاطعة على ان شيئا ما، وسيّئا بالتحديد، يجري، وينبغي وضع اليد عليه في التجربة الرحبانية قبل استفحاله. و"تأكد" لعاصي ومنصور ما كان مؤكداً وقد حجبه غبار الخلاف مع فيروز، ان فيروز لم تكن صوتا بل ملهمة جمال، ولم تكن بطلة لمسرحياتهما بل كانت روحا في النص المسرحي نفسه".

نقد عن مسرحية الشخص في مصر

كان الحملة على فيروز في هذه الأثناء مستعرة وكانت مرتكزة على محورين. المحور الأول إقناع الجمهور أنّ فيروز هي من تركت الأخوين وليس العكس، حيث لم يفوت الأخوين فرصة للظهور في الإعلام وإجراء المقابلات المطولة لتعميم روايتهم للإنفصال: فيروز تركتنا بجل إرادتها، ونحن حزينين، بس ما رح نمنعها بالقوة. أدت هذه التصريحات لانجراف كثر من الصحافيين لاتهام فيروز بالغرور وقلة العرفان، وحتى وصل الأمر لرميها بالخيانة. على سبيل المثال، نقل رئيس تحرير مجلة الشبكة وقتها، جورج إبراهيم الخوري، عن منصورالرحباني التالي: "ليس مطلوبًا من فيروز أن تحب عاصي، بل المطلوب منها أن لا تحب غير عاصي…" بعد عقود على تصريحات منصور، قالت ريما الرحباني، اللي كانت مقربة من فيروز وعاصي بفترة الانفصال، انه ترْك فيروز لبيتها كان مخططاً له: "انشغل لأنو ما ترجع فيروز ع البيت. ضهرت معها جزدانها بس".

المحور الآخر من الحملة ارتكز على إظهار فشل فيروز من دون الأخوين فتم الإشراف على حملة إعلامية شنّها أصدقاءهم بالصحافة الفنية العربية، للتعتيم على أولى خطوات فيروز من دون الأخوين: "فيروز حملت معها تكشيرتها الشهيرة"، "فيروز هجرت وادي التيم"، "ماذا دهاك يا عظيمة"، ومانشيتات تانية تنوعت بين السخرية والذم. ولا يمكن نسيان تصريح الأستاذ منصور الرحباني أنّ أهم عملين أنجزهما الأخوان هما: الربيع السابع والمؤامرة مستمرة، فردت فيروز بطريقة ساخرة في مقابلة مع الزميلة وردة الزامل على الأوهام الرحبانية قائلة: منصور هيك قال وانا مع منصور وهي نفس العبارة التي ذكرتها ريما في أحد منشوراتها الفايسبوكية الأخيرة والتي أقل ما يقال فيها أنّها أحق ما يقال في هذا الزمن الردئ.

ليس دفاعاً عن ريما الرحباني

تعاولوا لنصل إلى ريما الرحباني. تعالوا نتحدث عن هذه السيدة التي تخوض اليوم إحدى أشرس معارك البشرية. لا تجمعني أي معرفة شخصية بها ولم أتواصل معها إلا نادراً عبر تعليقات على صفحتها الفايسبوكية في سنوات خلت. من هي هذه السيدة؟ الصورة النمطية عند الناس هي الآتي: مزعجة، هيدي يللي حابسة فيروز بزنزانة، أسلوبها كتير فجّ، ما بتحب حدا، بدها تستفيد من أمها مادياً، ليش معصبة عطول...يا أصدقائي تقول فيروز في ميس الريم: ما وقع ظلم على إنسان بآخر هالأرض الاً وحسيت انّو أنا يللي انظلمت. وأنا أشعر أنني مظلوم لأنني أستطيع لمس مدى الظلم التي تتعرض إليه هذه السيدة.

منذ حوالي العشر سنوات، خرجت ريما من عالمها الخاص حين اتخذت الحرب على فيروز وعاصي منحى دراماتيكي بدأ بقضية المرسوم الخبيث. يومها تفاجأ الناس، ماذا يجري؟ ماذا يحدث؟ أولاد منصور يكرهون فيروز؟ هل يعقل أنّ منصور حارب فيروز؟ عن ماذا تتكلم ريما؟ المشكلة القاتلة التي وقعت بها ريما وبيت الأستاذ عاصي بالمجمل هي الصمت: آه من هذا الصمت الذي رافق هذا المنزل لمدة ثلاثين عاماً خاضت خلالها فيروز وريما أشرس المعارك. لم يتكلموا، صمتوا، ابتعدوا عن الإعلام، لم يظهروا في مقابلات، لم بينوا شبكة علاقات إعلامية بدهاء كما فعل غيرهم. تركوا الساحة للطرف الآخر الذي تفنّن بالإستغلال والتزوير و حرف الوقائع والإلغاء. وما حصل أنّه حينما قررت ريما التكلم بعد سنوات العذاب، كان من الصعب إقناع الجميع بصوابية موقفها نظراً إلى أنّ الطرف الآخر يتقن لعبة الكذب. اللعبة هي كما يلي: نحن نحتل الإعلام،نكيل المديح إلى فيروز: الله يطول عمر فيروز، فيروز قيمة كبيرة، نحنا منحب ريما، اسم عاصي سقط سهوا، نحنا منحب زياد، فيروز كبيرة العيلة. هذا في العلن أمّا في الخفاء فالحرب العالمية القذرة مستمرة. على المقلب الآخر ريما تهاجمنا فتصبح الصورة كالآتي: نحن الملائكة وريما الشيطان، نحن نريد المحبة وريما تريد التفريق. هل هناك أدهى من ذلك؟

يا أصدقائي، ريما تحارب باللحم الحي كما يقال بالعامية. ريما لم تسجن فيروز، فيروز اختارت الصمت منذ الأزل. ريما لم تحاول إستغلال فيروز مادياً، بل ضحّت بالمال للمحافظة على صورة فيروز، تخيلوا معي كم يمكن لمقابلة أو حفلة أو سي دي لفيروز أن يدرّ مالاّ، إذا أرادت ريما أن تتقن لعبة المال، باستطاعتها جني ثروة أوناسيس في عام واحد. ريما لم تحاول التصدر في الإعلام، أنظروا إلى مثال بسيط، خلال زيارة ماكرون كان يمكن لها أن تتصدر المشهد وتستغل جنون الصحافة في هذه اللحظة. تخيلوا لو نزلت ريما للتكلم مع الصحافة، لكانت هي الحدث، لكانت تصدرت الصحف العالمية، ما حصل أنّها سارعت في التخفي على درج المنزل من أجل تجنب عدسات المصورين، وبصراحة هذا الموقف حتى أنا لم أفهمه فالتواضع جميل ولكن ليس إلى هذه الدرجة. ابنة صاحبة الحدث التي سارع ماكرون لمصافحتها تهرب من الإعلام وغيرها يتصدر الشاشات ليتحدث عن الزيارة، وكما تقول فيروز: ضاق خلقي يا صبي.

يا أصدقائي مشكلة ريما كانت الصمت وعدم الدخول في دهاليز اجتماعية واعلامية قذرة. ريما ليس سجّاناً، ريما ليست هولو، ريما ليست فاتك. ريما بكل بساطة هي غربة. تلك الفتاة التي تحاول حماية اسم والديها وارثهما من خنجر فاتك الذي يريد القضاء على كل شئ. ريما، أرجوكي لا تصمتي بعد اليوم، كم سعدت بمقابلتك في جريدة النهار، كم بدوت مفعمة بالحياة والمرح، أرجوكي أكثري من الإطلالات الإعلامية، أرجوكي أوضحي أكثر، أرجوكي اظهري في مقابلات تلفزيونية، إياكي والصمت مجدداً، أرجوكي أطلقي صوت التعبئة كي نري الجميع من نحن. اعرف أنك تشعرين بالوحدة في ميدان المعركة لأنّ ليال رحلت، وزياد اختفى في فنّه وهالي صامت، ولكنك لست وحيدة، نحنا معك، صدقيني: مش عبث كل يللي صار ويللي بدور يصير رغم عبثية هالحياة.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment