لبنان عند مفترق طرق سياسي وقطاع الاتصالات في أزمة
كريم حداد
يعيش لبنان مرحلة من الجمود السياسي والتدهور الاقتصادي الشامل، حيث يتفاقم الانقسام الداخلي حول مستقبل البلاد في ظل غياب خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة الرئاسية. على الصعيد السياسي، يرى عضو كتلة نواب الكتائب اللبنانية، النائب نديم الجميّل، أن البلاد تفتقر إلى مسار تفاوضي جاد قد يؤدي إلى انتخابات رئاسية مباشرة، مما يعكس عمق الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان.
يشدد الجميّل على أن لبنان بحاجة ماسة إلى رئيس منتخب بناءً على مشروع سياسي متكامل يحدد بوضوح مستقبل البلاد، مشيرًا إلى أن لبنان ظل لعقود جزءًا من محور الممانعة الذي يمتد من حارة حريك وصولًا إلى طهران عبر دمشق. واليوم، يرى أن اللبنانيين أمام مفترق طرق تاريخي، حيث يتعين عليهم اتخاذ قرار بشأن وجهة البلاد المستقبلية: هل سيستمرون في الانخراط ضمن محور المقاومة، أم سيتوجهون نحو الانفتاح على المجتمع الدولي والالتزام بالقرارات الأممية؟
الجميّل حذر من استمرار ارتباط لبنان بالصراعات الإقليمية، خاصة في ظل تضارب المواقف حيال القضية الفلسطينية. فقد أشار إلى تصريحات من قيادات إيرانية وحزب الله تدفع لبنان نحو صراع مفتوح في المنطقة. ودعا إلى حوار وطني شامل بعيدًا عن أي تهديدات باستخدام القوة أو فرض الشروط المسبقة، مشددًا على ضرورة التوصل إلى توافق حول هوية لبنان المستقبلية بشكل يحفظ استقلاليته وسيادته.
في الوقت الذي تتعمق فيه الأزمة السياسية، يعاني لبنان من انهيار غير مسبوق في قطاع الاتصالات، الذي يُعتبر شريانًا حيويًا للاقتصاد والحياة اليومية. فقد أثبتت خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الاتصالات فشلها في معالجة الثغرات التقنية التي تسببت في تدهور خِدْمَات الإنترنت والاتصالات. ففي العديد من المناطق، بما فيها العاصمة بيروت والمدن المحيطة التي تستضيف أعدادًا كبيرة من النازحين، تدهورت الخِدْمَات بشكل ملحوظ.
وتعرضت محطات الخلوي لأضرار جسيمة نتيجة العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى خروج أكثر من 200 محطة عن الخدمة، سواء بسبب الأضرار المباشرة أو نتيجة عمليات السرقة. مع هذه الانقطاعات، وجد المواطنون أنفسهم في حالة من العزلة التامة عن العالم الخارجي، حيث فشل قطاع الاتصالات في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، سواء على مستوى الاتصالات الهاتفية أو خدمات الإنترنت.
وكان الصحافيون من أكثر الفئات المتضررة من هذه الأزمة، حيث يعتمدون بشكل كبير على الإنترنت والاتصالات لنقل الأخبار والمعلومات في الوقت الفعلي. الانقطاعات المتكررة دفعت العديد من الصحافيين إلى النزوح من مناطقهم، في حين اضطر آخرون إلى تكبد تكاليف إضافية للحصول على خدمات بديلة. لكن هذه الحلول المؤقتة لم تكن كافية لضمان استمرار العمل الصحفي بكفاءة، مما أثر بشكل مباشر على جودة التغطية الإعلامية في لبنان.
يواجه الصحافيون تحديات مزدوجة؛ فهم، من جهة، يعانون من الأوضاع المهنية الصعبة نتيجة لانقطاع الاتصالات، ومن جهة أخرى، يتحملون ضغوطًا شخصية متزايدة مع نزوح عائلاتهم بحثًا عن الأمان. وفي ظل غياب أي دعم ملموس من وزارة الاتصالات أو الجهات الرسمية الأخرى، يبقى العاملون في القطاع الإعلامي في مواجهة مع واقع قاسٍ يعوق قدرتهم على ممارسة مهامهم.
وسط هذا الوضع المتدهور، أصبح من الملحّ على الجهات المعنية التحرك بشكل عاجل لإصلاح البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتقديم حلول دائمة، خصوصًا أن انهيار هذا القطاع يؤثر بشكل مباشر على كل من الصحافيين والمواطنين على حد سواء. إلى جانب هذا، لا بد من اتخاذ خطوات جادة لتوفير بيئة آمنة وملائمة لعمل الصحافيين تتيح لهم الاستمرار في أداء واجباتهم المهنية دون عوائق.
في هذا السياق، لا تقتصر الأزمة اللبنانية على المجال السياسي أو الاقتصادي فقط، بل تمتد لتطال كل جوانب الحياة، بما فيها الحق في الاتصال والمعلومات، وهو ما يفرض على القوى السياسية كافة تقديم حلول حقيقية تنقذ لبنان من دوامة الفشل التي يعيشها منذ سنوات.
Comments