تحليل اخباري
خاص بيروت تايمز - اعداد كريم حداد
في ظل التطورات الأخيرة على الساحة اللبنانية، تتعالى دعوات من بعض القوى السياسية اللبنانية المعارضة لحزب الله تحثه على “العودة إلى لبنانيته”، في إشارة واضحة إلى الانغماس العميق للحزب في العلاقات الإيرانية، بدءاً من عقيدته وفكره، ووصولًا إلى تفاصيل حياته اليومية من لباسه وسلاحه وهيكلتيه التنظيمية. هذه الدعوات تأتي في وقت حساس للغاية، عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، الذي تبعه موجة نزوح واسعة من الجنوب والضاحية، في ظل تصاعد وتيرة العنف والصراع.
النفوذ الإيراني في القرار اللبناني
في خضم هذه الأحداث، برز موقف إيران بوضوح، حيث دعا الإمام علي خامنئي خلال تأبين السيد حسن نصرالله إلى القتال، في خطوة تعكس مدى التشابك بين الحزب والقيادة الإيرانية في اتخاذ القرار اللبناني. هذه الدعوة تزامنت مع تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي أدلى بها من منزل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حيث رفض البيان الثلاثي الصادر عن الحكومة اللبنانية. هذا البيان، الذي يدور حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، لاقى ترحيباً من المعارضة التي رأت فيه خطوة نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية واستعادة الاستقرار في البلاد.
التناقض بين المعارضة وحزب الله
تشكل هذه الأحداث مفارقة واضحة بين مواقف الأطراف السياسية. بينما تدعو المعارضة إلى “لبننة” حزب الله والعودة إلى الوحدة الوطنية، يواصل الحزب تعزيز ارتباطه بإيران وتمدده في القرار اللبناني. هذا التناقض يعمق الأزمة السياسية والاجتماعية في لبنان، ويجعل الحلول التوافقية أمراً بعيد المنال في ظل الانقسام الحاد بين الأطراف المختلفة.
يبقى غياب رئيس للجمهورية عاملًا حاسمًا في استمرار حالة الجمود السياسي في البلاد، حيث يمثل انتخاب رئيس جديد نقطة مفصلية لاستعادة الاستقرار. إضافة إلى ذلك، فإن تطبيق القرار 1701 يُعتبر مفتاحًا رئيسيًا للحد من التدخلات الخارجية وضمان استقرار لبنان في ظل الظروف الراهنة.
خطاب الشيخ نعيم قاسم: رسائل استراتيجية للمقاومة
في سياق هذه التطورات، أطل الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، بخطاب عبر قناة المنار، شدد فيه على موقف الحزب الثابت في مواجهة التحديات المتزايدة من إسرائيل وحلفائها. حمل خطابه رسائل عدة تظهر استراتيجية الحزب الراهنة وارتباطه بمحور المقاومة.
أوضح قاسم أن الهدف الإسرائيلي كان القضاء على المقاومة الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني، إلا أن المقاومة، خاصة في غزة، أثبتت قدرتها “الأسطورية” على الصمود رغم الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل. هذه الرسالة تأتي لتعزيز خطاب حزب الله بأن الصراع لم يعد محليًا، بل أصبح جزءاً من مواجهة إقليمية ودولية بين محور المقاومة بقيادة إيران والتحالفات الغربية وإسرائيل.
تطرق الشيخ قاسم إلى دور المقاومة اللبنانية في استنزاف الجيش الإسرائيلي، مشيرًا إلى نجاح حزب الله في إرغام آلاف المستوطنين الإسرائيليين على النزوح من مناطقهم خلال الصراع الممتد لأكثر من 11 شهراً. هذا التصريح يبرز قدرة الحزب على إحداث ضغوط استراتيجية على إسرائيل، مما يعزز موقعه كقوة مقاومة قادرة على فرض معادلات جديدة في الصراع.
أشار الشيخ قاسم أيضاً إلى التحالفات الإقليمية التي يدعمها حزب الله، مذكراً بالدعم المتبادل بين المقاومة اللبنانية والحلفاء في اليمن والعراق. هذه التحالفات، بحسب قاسم، ليست مجرد دعم معنوي، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تتجاوز الحدود اللبنانية. كما أكد قاسم أن دعم إيران للمقاومة الفلسطينية يأتي في إطار معركة تحرير الأرض وليس فقط لحساب النفوذ الإقليمي.
يعكس خطاب الشيخ نعيم قاسم توجه حزب الله نحو تعزيز دوره في محور المقاومة الإقليمي، حتى في ظل التحديات الداخلية والخارجية. ورغم اغتيال السيد حسن نصرالله، يواصل الحزب إظهار تماسكه الداخلي واستعداده لمواجهة أي تحدٍ عسكري أو سياسي.
فيما يخص جبهة لبنان، أرسل الشيخ قاسم رسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أن حزب الله مستعد لخوض معركة طويلة الأمد، وأن المقاومة قادرة على مواجهة أي تصعيد إسرائيلي. وأكد أن الحزب يعتمد على استراتيجية “الاستنزاف”، مشددًا على أن إسرائيل ستواجه صعوبات متزايدة كلما استمر الصراع.
سياسياً، أظهر الشيخ قاسم دعمه لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري لوقف إطلاق النار، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الحزب لن يستسلم لضغوط داخلية أو خارجية، وأن الحسم سيكون في الميدان إذا استمرت الحرب.
المقاومة الإسلامية: رسالة القوة
في بيان لها، أكدت المقاومة الإسلامية على جهوزيتها الكاملة للرد على أي اعتداء إسرائيلي، مشيرة إلى أن صواريخها قادرة على استهداف العمق الإسرائيلي بشكل مباشر. واعتبرت المقاومة أن اعتداءات الجيش الإسرائيلي على المدنيين في لبنان ستجعل من حيفا وغيرها من المدن الإسرائيلية أهدافاً مباشرة لصواريخ المقاومة.
كما شددت المقاومة على أن مجاهديها مستمرون في التصدي لمحاولات الجيش الإسرائيلي التقدم على الحدود الجنوبية، مؤكدة أن الخسائر الإسرائيلية تجاوزت الـ35 قتيلاً وأكثر من 200 جريح من نخبة ضباطه وجنوده.
في ختام بيانها، أكدت المقاومة الإسلامية على مواصلة دعمها للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، مشيرة إلى أن هذا الدعم هو جزء من وصية السيد حسن نصرالله، وسيظل أمانة في أعناق مقاتلي حزب الله حتى النهاية.
هذا المشهد يعكس بوضوح أن حزب الله ليس فقط جزءاً من الصراع اللبناني الداخلي، بل هو أيضاً عنصر أساسي في معادلة إقليمية معقدة، حيث تتشابك فيه المصالح المحلية والدولية بشكل يصعب معه الوصول إلى حلول سريعة أو توافقية.
* كاتب ومحلل سياسي من لبنان
Comments