بقلم: مَاروُن سَامي عَزّام
كان دولاب حياتنا الزّوجيّة يصعَد جبل الأُلفة كزوجَين ببطء شديد، وعندما نكاد نصل إلى قمّة التناغم لفترة ما، يبدأ زوجي بتصعيد لهجة عتابه الجارحة، فسرعان ما تدحرج مُجدَّدًا الدّولاب على منحدَر الشّجارات التي لم تعُد تُحتَمَل بيننا. هكذا عشتُ مع زوجي بلا هوية وئام تحمي تفاصيلي، لا أملك ثمن تذكرة الاستقرار كي أدخل معه إلى دار الانسجام.
سلب مني حقّي بالعمل حسب مؤهلاتي العلميّة، ألغاها من سِجِلي... صارت قسيمة الزّواج مجرّد ورقة لا قيمة لها عنده، ليُقال فقط إنّه زوجي الشرعي... عفوًا الرّجعي. كان الحوار معه عقيمًا جدًّا، ومناقشته لم تُجْدِ نفعًا... همجيّ التعامل مع من حوله، وبالأخص معي... كما افترس المدعو "زوجي" القيم العائليّة، مزَّق بأنياب تعنيفه لي رباطنا المقدَّس!
ذات يوم طلبتُ منه الطّلاق، لم أصدّق أن يوافق زوجي، لكنّه تمَّم المعاملة بسرعة، كأنّه أراد التخلُّص من "ضائقة" زوجية. نلتُ أخيرًا حقّي منه، وربحتُ عافيتي، مسترجعةً ما تبقّى من صفوي وتعقّلي. خرجتُ من ورشة الظُّلم "عزباء مُتجدّدة"، ورجعتُ إلى بيت أهلي، الذين حرموني الخروج من المنزل، فقط سمحوا لي بالذّهاب إلى العمل والعودة بنفس الاتجاه المحدّد.
سارت خطواتي وفق جهاز يسير حسب خريطة أهلي المبرمجة بدقّة!!.... وَأَدُوا همّي تحت ثرى الخزي، دون أن يهتموا بي، لأنّه ممنوع أن أطلب الطّلاق من زوجي، ويجب عليّ إطاعة طلباته حفظًا لكرامتي، التي تستدعي بقائي معه تحت سقف التوتُّر العالي، لأن المرأة المحترمة، عليها أن تسكت على الطغيان، مهما كلَّفها الأمر، وأن تتغاضى عن إساءات زوجها المتكرِّرة، ولكنّني أومن أنّ هذه النّصائح لم تعُد سارية المفعول في زمننا، بل تصلُح فقط لزمن الأجداد، المتزمّت عقائديًّا!!
نصيبي أن أعيش لوحدي في منفى القهر، بعد أن نبذني بعض الأقارب والأصدقاء، بسبب وصمة العار المسمّاة "مُطلّقة"!! اكتشفتُ أنّ تحرّكاتي تُقاس حسب مقياس ريختر النّسائي، الذي يُسجِّل في شريط ذبذبات مراقبته، أي حركة أقوم بها، سواء التفتُّ، أو تفوّهتُ، أو مجرد ابتسمتُ، حتّى أنه يسجّل حركة عينَيَّ العفويّة. لقد وجدتُ نفسي مُستَبعَدَة عن ضجيج غليان الشّارع، أسمع فقط سيّاف الصمت وهو يُقطِّع أيّامي إلى فقرات استراحة قصيرة، كسجينة في سجن النّساء.
باختصار صرتُ أنا المذنبة الوحيدة، بينما الرّجل "يصنع رجولته"، بشارب اعتزازه بنفسه، ليبقى المتسلط الأزلي. اليوم أسمع فقط ثرثرة الذّكريات حول مذبح ذاكرتي، لتروي قصّة زواج تحوّل إلى نكبة شخصيَّة أنا مسبِّبتها الوحيدة! لذا هربتُ منها، ورفضتُ تحمُّل مسئوليّتها لوحدي. باتت خاصرة حقيقتي رخوة، كل شخص يعجنها على هواه، زيَّفوا الحقائق الواقعيّة، حرَّفوا أقوالي التي تُدين زوجي، حتّى ألقوا بي في جورة التّحريم، وفرض عليّ الزّمن وصاية الظروف، لتتحكّم بمصيري.
لقد انقطعتْ علاقتي تمامًا بمحيطي، أصبحت انطوائيّة، فإذا اختلطت ببعض صديقاتي المتزوّجات، سيشعرن بالريبة مني، خوفًا على زواجهنّ، يحسبن أنّني سأتّبع أسلوب القرصنة النسائيّة مع أزواجهن، لأختطفهم من سفينة حياتهن الدّافئة... بعض شخصيات المجتمع، تُحمّلني نظراتهم المريبة ذنب عدم تفهّمي لطِباع زوجي السّابق!!
اعتقد بعض الشّبّان أنّي سهلة المنال، مع أن مشكلتهم أنهم يتجاهلون عمدًا، كوني ضحيّة لزوج غير عصري، لا يدركون وضعيّة المرأة الجديدة، السّاعية للتقدّم، ولكن للأسف الشّديد أنا الجانية الفعليّة، بعد أن قَبِلتُ أن أقدّم لطليقي هذه التضحيّة، خوفًا على حياتي التي كانت مُعرَّضة لخطر الاعتداء الإجرامي بأي لحظة.
أشكر ربّي ألف مرّة، أنّي لم أنجب منه طفلًا، يكفي أنّي أنجبت أطفال البؤس والمأساة واليأس!!، الذين جعلوا ليس فقط حوض كياني جحيمًا، بل جعلوا أيضًا محيطي خرِبًا، يتجوّلون كإرهابيين عائليين، هدفهم نفي صبري إلى منفى المقت، تصرّفوا معي كزمرة تبتز احتمالي لهذه المعيشة المقيتة. كانت آخر أوراق أيّامي الورديّة، خلاصي من براثن أتعس حب في حياتي.
لم تُؤنس وحدتي سوى التّعلّق بشبكة الإنترنت، التي أجالسها يوميًّا حسب مزاجي، لقد باتت هي حياتي العامّة، ومَنفَذي الوحيد لتَصَفُّح أخبار هذا المجتمع الافتراضي، لأستطيع تجاوز محنتي، بدون الرّسومات البيانية ليوميّاتي، على الأقل لأصد تأويلات النّاس الغوغائية، لربما أنجح بقيادة ثورة نسائيّة، تضُم كل سّيدة مطلّقة، لنُندّد ببطش الرّجل، وبأننا لسنا مُحرَّمات!
Comments