bah حول ظاهرة تعريب المسلسلات التركيَّة - زمن الانتداب التركي الترفيهي على الدراما العربيَّة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

حول ظاهرة تعريب المسلسلات التركيَّة - زمن الانتداب التركي الترفيهي على الدراما العربيَّة

12/10/2024 - 17:39 PM

Prestige Jewelry

 

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

بدأت اللهجة السّوريَّة تستحوذ على العالم العربي مع أواخر القرن الماضي، بإنتاج مسلسلات البيئة الشّاميّة عام 1992، والتي تعلّق بها المشاهدون جدًّا. في عام 2009، بدأت الدراما التركيّة المدبلجة للهجة السّوريّة تغزو الشاشات العربيّة، لأنها أصبحت ورقةً رابحة من حيث الانتشار والرّبح، وعمليّة الدبلجة كانت تتم في سوريّا، وقد لاقت رواجًا منقطع النّظير... (هذه الأعمال تُنتَج خصّيصًا لمنطقة الشّرق الأوسط).

في عام 2019 بدأت مجموعة إم بي سي، بتعريب المسلسلات التركيّة القديمة النّاجحة، المنافية لضوابط البيئة العربيّة، إذ نجد قصص هذه المسلسلات المعرَّبة سطحيّة، لم تتعرّض للصراعات الطبقيّة داخل المجتمعات العربيّة عامّة، فتبنَّت إم بي سي النسخة التركيَّة بحذافيرها، لوقوعها تحت الانتداب التركي الترفيهي!!

هذا الترفيه الدّخيل سيطر على صناعة الدراما، لذلك اضطُرَّت مجموعة إم بي سي أن تعمل تحت أحكام الشركة التركيّة المنتجة وأوامر طاقمها، ففَرَضَت عليها المُخرج، استصعب الممثّلون العرب التأقلم مع طريقة عمله المغايرة، بسبب عائق اللغة... كما فرض التركيّون أن تكون مواقع التصوير نفسها، وحتّى استخدام السيّارات!!، لكن لم أفهم سبب تغطية ماركاتها التّجاريّة، رُبّما لأن تركيّا ما زالت ترفض تلبية شروط الاتحاد الأوروبي، ليقبلها عضوةً فيه!!

تعريب الدراما التركية، كانت وصفة ناجحة جدا بكل المقاييس، فالبطل دائمًا يكون نجمًا سوريًّا، والبطلة نجمةً لبنانيّة، دون الأخذ بعَين الاعتبار الواقع العربي!!... في بداية الأمر استخفَّ المنتِج التركي بأداء الممثّلين العرب المشاركين، لكنّه اقتنع بعد ذلك به لجدّيته وتميّزه، مع تقدُّم عمليّة التّصوير.

إن مشكلة هذه الدراما المعرَّبَة، أنها مبنيَّة على الاستخفاف بعَين المُشاهد، من حيث خلق وَهْم مرئيّ أن التّصوير يتم في لبنان، مع أنه يتم في مناطق تركيّة خلّابة. طغت الأناقة على كلّ شيء، بالأخص أثناء جلوس الممثلين حول المائدة، فظهروا بكامل ملابسهم الأنيقة، عند تناولهم الفطار أو العشاء، وكأنّهم يجلسون في صالة عرض أزياء!!

معروف أن لبنان دولة منكوبة في كل المجالات، فهذه الدراما المعرَّبة، تُظهره كأنه يعيش في رفاهيّة... خالٍ من منغصّات العيش، بدون فقر أو أزمات متتالية، بدون بنية تحتيّة مدمَّرة، لم تُرمَّم منذ عام 1992، إن هذا التّصوّر يستفز اللبنانيين كثيرًا، ألا يكفي أن لبنان انتُزِع من واقعه المرير والصّعب بصورة بشعة، ونقلته إم بي سي عربيًّا بحلة ورديَّة مصنَّعة، تجهل أنّ معظم اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، بنسبة 80%، فببساطة الأعمال المعرَّبة سخَّفَت الهموم العربيّة.

قناة إم بي سي هي التي تعرض الأعمال العربيّة والمعرَّبة، بالإضافة إلى منصّة "شاهِد" التّابعة لمجموعتها، فتعرضها دون فواصل إعلانيّة. آلة الترويج الضّخمة التي تُشغلها إم بي سي، أثبتت فاعليّتها من خلال مواقع التّواصل، فنجدها تغسِل دماغ جيل الشّباب، بعناوين لافتة، فيها إبهار تعبيريّ، يشد حب استطلاعهم، لتضمن مشاهدته للعمل، وللتأكيد على أنّه يستكمل متابعته، فقط لتُعزِّز من وجودها الفنّي، ولإبراز قدرتها على المنافسة.

الموسيقى التصويرية التركية جميلة، أصنِّفها تحت مُسمّى "موسيقى المصاعد"، لأنها في حالة صعود وهبوط دائمَين، كذلك هناك مرونة لا تطاق في المَشاهِد، وقد تمتد إلى عدّة دقائق، كتسويق للسياحة الدّاخليّة في تركيّا، وأمر آخر هو البناء الدرامي المهلهل، الفارغ من أي مضمون، الفاقد لعنصر التّشويق.

اكتشَفَ المُشاهِد العربي الذي شاهد النسخة التركيّة المدبلجة، أن متابعته بقيَت دون جوهر، لا قيمة لها... الإطالة المُبالَغ بها بعدد الحلقات، يطفئ تأجيج الأحداث، فيُخلق تشويقًا مبتذلًا، لا يَحتَمِل كل هذا العبء الدرامي الموظَّف لغايات إنتاجيّة فقط، ولا يحتاج إلى كل هذا التركيز التعبيري على وجوه الممثّلين.

التصوير يستغرق عامًا كاملًا، رغم التعب والجهد الكبيرين، إلّا أن الخدمات الإنتاجيّة راقيَة، مريحة، ومتوفّرة، تغطّي على الخدمات الإنتاجية السورية البسيطة، باعتراف كل الممثّلين العرب، ممّا ساهمت بالتَّخفيف من غربتهم، فشَعَرَ النجوم أنهم "عائلة" واحدة، برأيي لأن ربَّها هو العائد المادي الكبير، الذي "يواسي" غربتهم!!

مَشاهِد إسعاف المصابين سخيفة، فقط لتخدُم المشهَد، من أجل أن تصوِّر نظافة المشافي التركيّة، وعرض مستواها العلاجي الطّارئ والعالي، لأنّنا نجد ذلك المصاب الحرِج، يعود لممارسة حياته الطبيعيّة بعد فترة وجيزة، بدون أي ندبات أو عاهات جسديّة، وكأن "أعجوبة" قد حصلت معه!!

الأعمال المعرَّبة لها دور في تعميق أزمة النّصوص التي عانت منها الدراما السوريّة بالذّات، أثناء الحرب على سوريّا، لوجود أزمة تسويق لإنتاجاتها، إثر توقّف دول الخليج تمويلها، ولا تجد لها سوقًا سوريًّا محليًّا يشتريها، بينما الدراما المصريّة تبيع أعمالها بسهولة لقنوات الدراما المصريّة المتخصِّصة العديدة.

إن الانتداب التركي الترفيهي المستمر إلى الآن، يغتال إبداع صُنّاع الدراما، يعتقل أفكارهم التي باتت رهينة انتظار التنفيذ المؤجّل، كي تُكمِل مجموعة إم بي سي احتكارها الاقتصادي للإنتاج الدّرامي، ولكن هذه الفورة المعرَّبَة مؤقّتة، لن تدوم طويلًا، ولا بُدّ أن تنتهي صلاحيتها، لأنّ هذه الأعمال المستنسخة تبقى ناقصة... لن تعود الصِّناعة التلفزيونيَّة إلى حالتها الترفيهيّة الماضية، كالتي واكبت عصرنا، خلال تسعينيات تلك الفترة المتألقة إنتاجًا، لذلك باتت الدراما المعرَّبة مُترفة لحد لا يُطاق... متفوِّقة على الذّوق العام للمواطن العربي، الذي سحرت سذاجته هذه الأعمال المخمليَّة...!!

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment