د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
لم تكن حماس ولا حزب الله ولا النظام السوري الأسدي يمثلون تهديدا لإسرائيل، المشروع الإيراني هو الذي يمثل تهديدا لإسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة المتحالف مع روسيا والصين الذين يطالبون بعالم جديد متعدد الأقطاب، طبيعي أن المليشيات الإيرانية نمت وتوسعت على اكتاف الولايات المتحدة، أرادت تعزيز هذا النفوذ بقوة عسكرية نووية جعلها تصطدم مع الغرب، وتفرض عليها عقوبات شديدة في عهد ترمب.
فيما السعودية وتركيا نما اقتصادهما، وهما ضمن اقتصاد مجموعة العشرين، فيما اقتصاد إيران أقل من اقتصاد دولة الإمارات، لا تختلف المليشيات الإيرانية عن داعش، فكما تم إنشاء داعش لتحقيق أجندات تموضع متعددة من أجل تحقيق توازن بين القوى المتصارعة في المنطقة، لكن بعد الانتهاء من الحاجة إليها تم القضاء عليها، فكذلك تم الانتهاء الآن من الحاجة للمليشيات الإيرانية الذي كان هدفها احتلال مكة أو على الأقل منازعة قيادة السعودية الإسلامية والإقليمية، لم تخدمها قوتها الذاتية بل خدمتها مشاريع عددية من احتلال الولايات المتحدة العراق، وثورات الربيع العربي التي ضربت المنطقة العربية، مما جعل إيران تشعر أن كل منطقة الشرق الأوسط تابعة لها، وأنها حققت الإمبراطورية الإيرانية عاصمتها بغداد، ما جعلها تقوم بطوفان الأقصى لوقف المفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة يهدد مشروعها الإقليمي، لكن كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
من يدير المشهد في سوريا الولايات المتحدة، وهي القوة الوحيدة التي تمتلك القرار، يتضح ذلك من تصريح مايكل موريل من المخابرات الأمريكية: عندما قال زودنا المسلحين في سوريا بكل شيء سنقتل الإيرانيين والروس، بالطبع هناك أنقرة تشرف على التنفيذ، وهناك إسرائيل، وأيضا شارك العرب في تحقيق هذا القرار عندما رفضت السعودية عقد اجتماع للجامعة العربية لإنقاذ بشار الأسد باعتبار أنها احتضنته وأعادته، ولكنها لم تعيده حبا في نظامه، بل من أجل أن يقود مرحلة سياسية تعيد اللاجئين من الدول التي ينتشر فيها اللاجئون السوريون، لأن أمريكا في ذلك الوقت لم تتخذ قرارا بحل نظام الأسد، فتعاملت السعودية مع الواقع.
ومن يتذكر فإن أمريكا منعت السعودية من إسقاط نظام الأسد، وسمحت لروسيا بإنقاذ نظام الأسد في 2015، والسعودية تحترم موازين القوى، ولا يمكن تجابه قوة مثل قوة روسيا، لكن السعودية وقفت أمام الولايات المتحدة في 2013 وأنقذت مصر من تيار الإخوان المتحالف في ذلك الوقت مع تركيا، بسبب أن الجيش المصري كان متماسكا وطلب العون من السعودية، هذا لم يحدث مع سوريا.
بالطبع ساهمت إسرائيل في ضرب قدرات حزب الله العصب الرئيسي لإيران بل ضربت قادة الحرس الثوري في لبنان وسوريا، واعترفت إيران بأنها دفعت أثمانا باهظة، خسرت آلاف الإيرانيين طال كبار القادة التي تحولت إلى جحيم، ويثبت أن الولايات المتحدة تدير المشهد أن حصلت تركيا على ضمانات بأن هيئة تحرير الشام لن تنضم إلى الى القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية، لأنها تعتبرهم جزء من حزب العمال الكردستاني المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما تعتبرهم واشنطن قوة أساسية في معركتها مع داعش.
وبالفعل قال مسؤول غربي انهم نصحوا الأكراد بأن هذا سيكون وقتا مناسبا لمراقبة جدرانهم وحماية حدودهم، فيما ينسق الجيش الوطني السوري التابع لتركيا مع هيئة تحرير الشام، وتمركزت القوات الأمريكية على طول الحدود مع تركيا لضمان تحقيق التقدم السريع، وفي نفس الوقت اتبعت هيئة تحرير الشام نمط الجماعات المتمردة السابقة بالتفاوض مع زعماء القبائل المحليين، وتحذير أمراء الحرب المحليين من التدخل حسبما قال مسؤول استخباراتي غربي لصحيفة فاينانشال تايمز، وقال لقد كان مهرجانا من تحالفات المصالح المؤقتة، حتى هيئة تحرير الشام فوجئت بانهيار الجيش السوري.
بالطبع يتباهى نتنياهو بهذا الانهيار قائلا هو نتيجة مباشرة لإجراءاتنا القوية ضد حزب الله وإيران، الداعمين الرئيسيين للأسد، إلى جانب أنه أرسل أقرب مساعديه إلى موسكو رون ديرمر أبلغ بوتين أنه إذا لم يحد الأسد من الإيرانيين، وإذا سمح لحزب الله بإعادة تنظيم صفوفه في سوريا، وإذا لم يغلق الحدود مع لبنان أمام نقل الأسلحة والأموال فسنلاحقه، لكن يبدو أن الأسد لا يملك من أمره شيئا، لأن روسيا لا تود خسارة السعودية وأمريكا، وكذلك إيران لا تود خسارة السعودية وأمريكا التي أعلن ترمب أنه لا ينوي إسقاط النظام وإنما التفاوض مع إيران حول النووي الإيراني ، فتخليا عنه، رغم طلب بشار الأسد من الرئيس المصري إنقاذه عندما رفضت السعودية طلبه في عقد جلسة للجامعة العربية لإنقاذه، لكنه سيكون معارضة القرار الدولي وفي نفس الوقت هو مطلب سعودي يخدم الشعب السوري.
خصوصا بعدما جربت روسيا القيام بضربات جوية محدودة لم تؤخر تقدم قوات هيئة تحرير الشام، كما فعلت في المرات السابقة وأوقفت تحرير عدد من المدن بل واستعاد النظام مساحات واسعة نتيجة الدعم الروسي، ورغم أن بشار ضاعف رواتب جنوده لكنهم تخلوا عن سلاحهم وانسحبوا من الجبهات استفادت هيئة تحرير الشام من هذا السلاح، سباق الوصول إلى دمشق أعاد للأذهان سباقا مشابها عام 1918 عندما تسابقت القوات الغربية مع المليشيات العربية بدعم من لورنس العرب.
لا يمكن ان تقوم أمريكا بالقضاء على نظام بشار الأسد دون التنسيق المسبق مع ترمب الذي سبق أن وصف الأسد بالحيوان وقد يعود ترمب وسوريا مشتعلة، خصوصا وأن النزاع في سوريا لم ينتهي خصوصا وأن هناك عدد من المنظمات المسلحة تسيطر على سوريا، ليس فقط قوات هيئة تحرير الشام التي يقودها أحمد الشرع الجولاني سابقا، وقاد العملية باسم ردع العدوان، بينما هناك أيضا قوات قسد التي سيطرت على دير الزور والرقة، وشكلت لجنة مدنية لإدارة معبر البوكمال بين سوريا والعراق، وتتجه للسيطرة على محيط قاعدة التنف وصولا إلى الحدود الأردنية، وهناك فصائل مسلحة بالجنوب سيطرت على بلدتي نوي وتل الجابيا بريف درعا، وهناك الجيش الوطني الحر التابع لتركيا الذي سمى عملياته بفجر الحرية في شمال سوريا واشتبك مع قوات قسد في تل رفعت يرأسها التركماني عبد الله مصطفى، وقوات سوريا الديمقراطية قسد تابعة لأمريكا، يمكن التنسيق بينهما من خلال التنسيق بين أمريكا وتركيا.
يبدو ان أردوغان ينتقم لكرامته ضد الأسد الذي طالبه بالجلوس على طاولة المفاوضات خمس مرات ولكنه كان يتلكأ بأعذار تحرير السيادة للهروب من عودة اللاجئين في تركيا نحو 3.5 مليون لاجئ، سيحقق أردوغان زعامة داخل تركيا ضد المعارضين الذين يودون إسقاطه، ولم يستوعب بشار الأسد تصريح أمريكا أن زمن دلال المليشيات انتهى، ولن تحميه روسيا بسبب أنها لا تود تفقد الصلة مع النظام السوري القادم للحفاظ على قاعدتها حميميم وطرطوس البحرية المهمة جدا التي حققها بوتين تاريخيا لم يحقق الأقاصرة هذا الحلم في الوصول إلى المياه الدافئة في البحر البيض المتوسط، ووفق وكالة تاس الروسية عن مصدر في الكرملين أن المتمردين ضمنوا سلامة القواعد الروسية والمرافق الدبلوماسية في البلاد، لأنه بدون هاتين القاعدتين سيكون من الصعب على روسيا تحدي البحرية التابعة للناتو أو إسقاط قوتها الجوية في البحر المتوسط والبحر الأحمر، ودعم وجودها في شمال وشبه الصحراء الأفريقية، حسبما أضاف جورج فورمان الملحق الدفاعي السابق في موسكو، وفي نفس الوقت لا يود بوتين إغضاب ترمب الرئيس المنتخب والقادم الذي يدعم حل الأزمة في أوكرانيا.
علق ترمب على سقوط نظام الأسد سببه ضعف روسيا وإيران، ما يعني أن سقوط نظام بشار الأسد جعل سوريا حالة من التوازن القلق لقوى عالمية في سوريا، قوات أمريكية وروسية متقابلة في سوريا، وقاعدة تركية في الشمال، احتلال إسرائيل بقية الثلث المتبقي من الجولان وألغت القرار الأممي في 1974، لكن يبدو ان الصراع الخفي بين إيران وإسرائيل في سوريا انتهى، واعتبرت إيران أن تركيا طعنت إيران في الخلف، كذلك الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين بقوله سوريا فخا لأردوغان ارتكب خطأ استراتيجيا، لقد خان روسيا، لقد خان إيران، لقد حكم عليه بالهلاك، والان بدأت نهاية تركيا كمال ، لقد دعمناكم، حتى الآن، من الآن فصاعدا سوف تتوبون.
من جانب آخر التدهور البطئ لنظام الأسد أتاح لتنظيم داعش فرصة النمو مرة أخرى، أنتج موجة جديدة من اللاجئين أعادت تشكيل أوروبا، رغم ان سقوط نظام بشار الأسد يترك دولة ذات أهمية استراتيجية بالغة ممزقة وتواجه مستقبلا غير مؤكد.
لا يزال الموقف السعودي يتابع التطورات السريعة في سوريا وهناك بيان صدر عن وزارة الخارجية السعودية بأن الاعتداءات التي قامت بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي عبر الاستيلاء على المنطقة العازلة في هضبة الجولان يؤكد استمرار إسرائيل انتهاك قواعد القانون الدولي وعزمها تخريب فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، وطالبت المجتمع الدولي ادانة هذه الانتهاكات والتأكيد على احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن الجولان أرض عربية سورية محتلة.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة ام القرى
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments