د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
هل نجحت أمريكا البعيدة في نصب شباك لروسيا في سوريا؟ مع مخاوف أمريكية من تفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب ميخائيل كافلاشيفلي رئيسا للبلاد حصل على 224 صوتا من مجموع 225 شاركوا في التصويت مناهض لأوروبا في انتخابات مثيرة للجدل ، وتتخبط جورجيا منذ 25 أكتوبر 2024 عندما أصدرت الحكومة الجديدة قرارا بإرجاء مساعي جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى 2028، على إثره خرجت مظاهرات مناوئة، وأعلنت واشنطن أنها فرضت على 20 شخصا في جورجيا بينهم وزراء وبرلمانيون حظر تأشيرات متهمة إياهم بتقويض الديمقراطية، بسبب مصادقة البرلمان على انتخاب النواب خلافا للقانون الذي يقضي بانتظار قرار المحكمة بشأن طلب الرئيسية زورابيشفيلي إلغاء نتائج انتخابات أكتوبر، مع احتجاجات في نفس الوقت بمحيط برلمان أبخازيا ضد اتفاقية مع موسكو.
واحتجاجات في بيلاروسيا التي يود بوتين نشر صواريخ أوريشنيك خلال النصف الثاني من 2025، ولا زالت الولايات المتحدة تستعيد ذاكرتها في استخدام نفس أسباب تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق من خلال خمسة أسباب يطبق معظمها الآن مع روسيا ،وإن كانت ببطئ، لكنها آتت ثمارها على المدى المتوسط، كان على رأسها مهاجمة الاقتصاد الروسي وتحجيمه، وإن كان اقتصاد روسيا حاليا ليس اشتراكيا كما كان في عهد الاتحاد السوفيتي، لكن العقوبات الغربية المشددة كان لها الأثر الأكبر في التأثير على مسيرة نمو الاقتصاد الروسي رغم صموده لكنه أثر على دعم مجاله الحيوي.
سقوط نظام بشار الأسد الدراماتيكي الغير متوقع، وعلى غرار قاسم سليماني ألذي أتى بالروس في 2015 بعد شعوره بهزيمة نظام بشار الأسد ولم تتمكن إيران من جعل نظام بشار الأسد يصمد، وبدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية في 30 سبتمبر 2015، كذلك شعر لاريجاني بنفس الشعور، وذهب إلى موسكو يستعين بها كما استعان بها قاسم سليماني لكن الزمن مختلف والظروف الجيوسياسية مختلفة، لأن بوتين هذه المرة متورط في مستنقع أوكرانيا، لا يستطيع الدفاع عن نظام بشار الأسد، خصوصا وأن بوتين وإيران يجدان جيش النظام يسلم ويستلم دون أي قتال بعدما انهار الاقتصاد السوري من 65 مليار دولار عام 2010 إلى 8 مليارات دولار، وأصبح الجندي السوري يتلقى 7 دولارات فقط، فيما عرضت عليه هيئة تحرير الشام 400 دولار لإلقاء كل مقاتل سلاحه ساعد الثوار على سرعة التقدم وسقوط المدن بشكل متسارع حتى تم تحرير سوريا في 11 يوما، ما جعل بوتين يطلب التحقيق في فشل المخابرات الروسية لعدم كشفها عن التهديدات التي أطاحت بالأسد مما يهدد قواعدها في حميميم وطرطوس ونقلها إلى ليبيا.
تجري روسيا اتصالات مع الحكومة الجديدة في سوريا حول بقياء تلك القواعد، لكن هل تقبل الولايات المتحدة الوجود الروسي قد يحدث عبر مقايضات في أوكرانيا عند مقدم الرئيس ترمب؟، لأن بقاء الأسد بحماية الغطاء الجوي وبدعم المليشيات الإيرانية حرم تركيا وقطر من مد أنبوب غاز إلى أوروبا عبر تركيا من أجل روسيا، ولم يتنبه بوتين إلى مضامين القرار الذي صدر عن قمة العشرين في الهند الإعلان عن ممر هندي أخضر إلى أوروبا يمر بمنطقة الشرق الأوسط يتطلب تحرير سوريا من نظام الأسد وإيران وروسيا، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة لتحقيق هذا المشروع، وهي عدة طرق وليس طريقا واحدا، يصب الممر الهندي الأخضر استراتيجيا في صالح الولايات المتحدة في مزاحمة الحزام والطريق الصيني، كذلك يصب في صالح دول المنطقة التي ستتحول إلى عقدة طرق وممرات دولية متعدية الحدود.
من أكبر الكاسبين تركيا تدعمها الولايات المتحدة ضد روسيا وإيران، خصوصا عندما تمددت تركيا على حساب روسيا وإيران عندما دعمت تركيا أذربيجان في استعادة سيادتها على إقليم كارباخ في 19 سبتمبر 2023، وعند انهيار الاتحاد السوفيتي كانت نقطة اشتعال بين الجمهوريتين السوفيتين السابقتين، وسبق أن تمكنت روسيا من وقف إطلاق النار في 2020، لكن في 2023 لم تتمكن أرمينيا من الصمود، واستعادت أذربيجان سيادتها على كارباخ، التي تتمتع بعمق استراتيجي عرقي في شمال إيران حيث ينتمي ربع الإيرانيين إلى العراق الأذري.
حيث تعد إيران داعما لأرمينيا حيث نجحت تركيا بدعم أذربيجان لمد أنبوب غاز إليها لتصديره إلى أوروبا بذلك تعود تركيا ممرا للطاقة الغاز الجنوبي المار بتركيا، كما يمثل خط باكو – تبليسي – جيهان النفطي حلما بالنسبة للولايات المتحدة منذ أمد بعيد لأنه يمثل بديلا للمرور عبر روسيا، لكن نجحت روسيا في تعطيل مروره إلى أوروبا المتعطشة للطاقة، وأرادت روسيا في ذلك الوقت أن تبقى محتكرة تصدير الغاز إلى أوروبا.
لكن خارطة الطاقة تغيرت خصوصا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وحاولت أمريكا كما تركيا أن تتحول أرمينيا عن روسيا يعتبر تحول استراتيجي كبير إذا نجحت أمريكا وتركيا من أجل إضعاف روسيا وعزلها عن أوروبا كما في الاستراتيجية الأمريكية، ونجحت أمريكا وتركيا في تعطيل الممر الجنوبي الشمالي الذي تطمح له روسيا بعد تدخلها في وقف الحرب بين أرمينيا وأذريبجان في 2020 وتجميد الأوضاع في إقليم ناغورنو كارباخ، وأرادت روسيا تعزيز هيمنها الإقليمية والحد من نفوذ الأطراف المنافسة بما في ذلك تركيا والولايات المتحدة، وحتى إيران.
وحاولت روسيا تحقيق توازن بين أذربيجان وأرمينيا حتى لا تسمح بتسلل القوى الأخرى إلى مجال نفوذها الحيوي، وكذلك ارتاحت إيران عندما سيطرت أرمينيا على ناغورنو كارباخ والعديد من المناطق على طول الحدود مع إيران، لكن ذلك لم يصمد، واستعادت أذربيجان بدعم تركي على المنطقة.
وضع إيران في مواجهة مع أذربيجان المتحالفة مع إسرائيل، كذلك بسبب أوجه الضعف التي اظهرتها الحرب الأوكرانية تهدد بتقويض موقع موسكو المهيمن في القوقاز وآسيا الوسطى والآن في سوريا، مع تصاعد جهود الغرب لعزل موسكو، خصوصا بعدما نجحت تركيا في تطوير شراكة استراتيجية مع أذربيجان، وفي نفس الوقت يوفر التنافس الدولي والإقليمي فرصا لأرمينيا ودول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى بصورة متزايدة يحجم الدور الروسي، مما يسمح إزاء إنشاء طريق يعبر منطقة سيونيك جنوب أرمينيا، وتشغيل ممر زنغرون وهو طريق يمر عبر جنوب أرمينيا ويبلغ طوله 40 كلم، ويربط بين أذربيجان وإقليم تاخيتشيفان التابع والمنفصل جغرافيا عن باقي أذربيجان، ويمنح ممر زنغزور لأذربيجان وتركيا طريقا مباشرا للتجارة يربط آسيا الوسطى وأوروبا دون المرور بإيران، ويحد من النفوذ الذي تتمناه إيران بشأن السيطرة على باكو خصوصا بعد وصول الأخيرة إلى إقليم ناختيشيفان التي ليس لها حدود مع الدولة الأم أذربيجان لكن بعد وقف الحرب أدرج بند في الاتفاق يمنح أذربيجان منفذا بريا إلى ناختيشيفان المحصورة بين إيران وتركيا.
ما يعني أن التنافس الجيوسياسي التركي الإيراني التقى مع التنافس الجيوسياسي الغربي الروسي، قاد إلى تحجيم النفوذين الروسي والإيراني، خصوصا بعد طوفان الأقصى الذي أراد أن يكون سفينة نوح تحول إلى سفينة تيتانك أغرقت جميع المليشيات التابعة لإيران التي تستثمرها روسيا في تعزيز حضورها في سوريا من أجل الوصول إلى المياه الدافئة في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط تلتقي بقواعدها في ليبيا وشمال أفريقيا.
*أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments