bah محور عربي بقيادة سعودية للحفاظ على ميزان القوى في الشرق الأوسط - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

محور عربي بقيادة سعودية للحفاظ على ميزان القوى في الشرق الأوسط

12/25/2024 - 17:09 PM

Atlas New

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

 

هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ووقعت البلاد العربية تحت سيطرة الاحتلال البريطاني والفرنسي وفق سايكس بيكو 1916 ووعد بلفور 1917، عدا المملكة العربية السعودية التي ظلت بعيدا عن أي احتلال، بالطبع كان لزاما على السعودية أن تتعامل مع تلك القوتين وفق موازين القوى من أجل الحفاظ على أمنها، وكذلك تعاملت بريطانيا مع السعودية وفق الحفاظ على مصالحها في المنطقة.

مصطلح الشرق الأوسط مصطلح أوروبي يخضع لاعتبارات ومدلولات سياسية وحضارية وجغرافية وحتى اقتصادية، خصوصا بعد اكتشاف النفط في إيران عام 1908 ثم في السعودية 1938، وهو في نفس الوقت مصطلح جيوسياسي يشير إلى منطقة بلاد الشام وشبه الجزيرة وتركيا ومصر وإيران والعراق، ثم أضيف إليه فيما بعد شمال أفريقيا، استخدم كبديل للشرق الأدنى المعاكس للشرق الأقصى، وهو أسلوب فكري أوروبي قائم على تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب، رغم قرب المنطقة من أوروبا، مما يوفر لهم الأساس المنطقي للسيطرة على المنطقة وشؤونها والحصول على صوت قوي فيها باعتبارها منطقة متخلفة وفي حاجة ماسة إلى التحضر وهذا التحيز برر لبريطانيا وفرنسا تقسيم المنطقة العربية وفق سايكس بيكو 1916.

لكن اختلفت الهيمنة على المنطقة بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956 اثر تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس بعدما كانت بريطانيا تسيطر على قناة السويس، تخلت أمريكا عن حلفائها عندما تعلق الأمر بمصالحها العليا، خصوصا وأن استعادة القناة أمر اتخذ بعيدا عن الولايات المتحدة، وانحازت أمريكا تجاه مصر وأجبرت الدول الثلاث على الانسحاب، وهذه أول مرة بعد الحرب العالمية الثانية تختبر الدول موازين القوى للولايات المتحدة لكن الرئيس أيزنهاور تصدى لهم ولم تسمح الولايات المتحدة لأي قوة حتى لو كانت حليفة أن تنازع هيمنتها على المنطقة وتعتبره بمثابة اختلال في موازين القوى العالمية.

 يرى برناد لويس السيطرة على العالم تبدأ أولا على الشرق الأوسط ،وبعد لقاء الملك عبد العزيز آل سعود روزفلت في العقبة 1946 بعد نهاية الحرب الباردة بعدما حاول الملك عبد العزيز إقناعه بعدم الاعتراف بالدولة الإسرائيلية لأنه انتهاك بحقوق الفلسطينيين في بلادهم، لكن بعدما اتى ترومان صاحب أول اعتراف رسمي بإسرائيل، وملئ الفراغ في منطقة الشرق الأوسط الناتج عن انسحاب بريطانيا وفرنسا خوف من أن يملأ هذا الفراغ الاتحاد السوفيتي المنافس الأقوى للولايات المتحدة في تلك المرحلة، بل توسع الرؤساء الذين أتو بعد ترومان في منطقة الشرق الأوسط سواء أيزنهاور أو كيندي أو جونسون ونيكسون من أجل أن تشكل منطقة الشرق الأوسط ملامح تحالف موالي لأمريكا.

 لكن العرب قاموا وجود إسرائيل والاعتراف بها كدولة لكن كانت هزيمة حرب 1967 فوز للمعسكر الأمريكي وزيادة هيمنها في المنطقة فيما حرب 1973 بقيادة مصر والسعودية وضعت الولايات المتحدة على المحك، وهدد هيمنتها، لكنها سارعت إلى اتفاق كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، وضخت الثورة الخمينية 1979 بداية مرحلة جديدة في إدخال المنطقة في اضطراب وتوتر نتيجة تصدير الثورة الخمينية، وإيجاد صراع مذهبي، من أجل معاقبة السعودية التي دعمت مصر في 1973 وحقق العرب أول انتصار على إسرائيل.

 حققت الولايات المتحدة بعد ذلك تموضع عسكري أمريكي مباشر في المنطقة، وشكلت قوات الانتشار السريع في المنطقة، في عهد رونالد ريجان دخلت إلى مياه الخليج أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وبدأت بتوسيع قواعدها العسكرية، أتبعته باحتلال العراق 2003، أي أن الولايات المتحدة منذ التسعينيات وحتى 2011 دخلت خمس حروب كبيرة في الشرق الأوسط للاجهاز على جيش العراق، وأن كان غيرت ثوبها أمريكيا في 2008 في عهد أوباما وتبرأ من سياسات بوش وأراد مزيد من تجزئة الشرق الأوسط عبر الثورات الشعبية في سوريا ومصر وليبيا واليمن أدى إلى انهيار تلك الدول، وتخلى عن نظرية الحروب الاستباقية، وتم تفتيت الشرق الأوسط وتدمير جيوشه.

 تنبهت السعودية وأرسلت جيشها للحفاظ على البحرين 2011 ودعمت الثورة المصرية والجيش عام 2013 باعتبار مصر عمود العرب، رغم اعتقاد البعض أن الديمقراطيون والجمهوريون يتداولون الرئاسة أنهم يتبرأ كل منهما من سياسية الآخر، وهذا في العلن، لكن يظل جوهر السياسة الأمريكية ثابت ومرسومة بعناية، بل يكمل كل منهما الآخر وهذا ما وعته السعودية، ولا يوجد إلا محور عربي بقيادة السعودية في المنطقة العربية.

 لذلك لن ترهن سياساتها على أي طرف دون الآخر، وفي عهد ترمب منعت أمريكا التحالف العربي من تحرير الحديدة 2018، ومن تحرير صنعاء، وتم ضرب أرامكو في 2019، وتوقف نصف إنتاج السعودية من النفط، ولم تدخل السعودية في مواجهة مع إيران أو مع أي طرف آخر، بل اتجهت إلى وقف الفوضى في المنطقة برعاية أميركية، بالبحث عن مفاوضات مع إيران لوقف التصعيد في المنطقة، ولم تقتنع السعودية ببغداد ولا بسلطنة عمان وإن اكتفت برعايتهم للمفاوضات التي رعتها بينهما على أراضيهما، إلى أن دخلت بكين على الخط وكانت ضامنا لهذا الاتفاق، أربك الخطط الأمريكية مما جعلها تتجه نحو الإعلان عن إقامة الممر الهندي الأوروبي الأخضر الذي يتطلب إقامة دولة فلسطينية.

 لكن طوفان الأقصى أراد وقف إقامة الدولة الفلسطينية، لكنه على عكس ما خطط له أوجد مرحلة جديدة لإقامة دولة فلسطينية تطلب القضاء على المليشيات في المنطقة التي تتبع محور المقامرة والمقاولة، وبالفعل قرر الغرب عبر اليد الإسرائيلية القضاء على حماس لصالح تقوية منظمة فتح، والقضاء على حماس وإسقاط نظام الأسد وتحجيم دور الحرس الثوري ووقف دعمه لمليشيات الحوثي.

أصبحت المنطقة جاهزة لإقامة الدولة الفلسطينية، خصوصا بعدما رعت السعودية تحالفا دوليا وبشكل خاص تحالفا عربيا أوروبيا الحريص على الحصول على الطاقة المتجددة من دول مجلس التعاون الخليجي، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية بعدما وافقت على إقامتها نحو 148 دولة، ولن تقبل أمريكا أن يهدد أحد مصالحها في المنطقة حتى إسرائيل كما لم تسمح لبريطانيا وفرنسا في 1956 أن تهدد مصالح الولايات المتحدة، لذلك تضغط السعودية على إسرائيل من خلال تحقيق المصالح الأمريكية والأوروبية وحتى الإسرائيلية لكن لم تسمح لإسرائيل تحقيق مشاريع خاصة بها على حساب دول المنطقة ولا يوجد إلا محور عربي بقيادة السعودية.

 

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى

   Dr_mahboob1@hotmail.com

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment