bah تحولات هيئة تحرير الشام وكيف أقنعت العالم بحكم دمشق - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

تحولات هيئة تحرير الشام وكيف أقنعت العالم بحكم دمشق

12/28/2024 - 15:59 PM

absolute collision

 

 

رامز الحمصي

 

نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الجمعة، عن مسؤولين أمريكيين، أنهم يشعرون باطمئنان من طريقة حكم هيئة تحرير الشام لمناطق سيطرتها قبل سقوط الأسد، وأن الثوار السوريون يقولون الأشياء الصحيحة حتى الآن، كما أن حكم الهيئة لسوريا بشكل شامل ومعتدل أفضل أمل لمنع الانزلاق للعنف.

هذا التحول في النظر لهيئة تحرير الشام على أنها الأفضل لاستلام الحكم من بين جميع سلطات الأمر الواقع في سوريا رغم تنوعها وتبعيتها، لم يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، بل أيضا شمل عدة أطراف عالمية قوية، والتي باركت عملية إسقاط النظام السوري السابق وعلى رأسه بشار الأسد.

من الداخل، كان هناك تهيئة قوية داخل إدلب للعمليات العسكرية والحكم المدني على حد سواء، وكانت الهيئة تعد عدتها لاستلام مشروع سوريا، بينما كان هناك لوبي خارجي يعقد اجتماعات لإقناع الدول الكبرى لمباركة الدخول إلى دمشق، ويبدو بنظر بعض المسؤولين السياسيين العرب، أنه لولا اقتناع واشنطن وموسكو ولندن بهذا المشروع لكان الأسد يحكم دمشق إلى الآن، بل إن تل أبيب باتت تعتقد أن أحمد الشرع في دمشق أفضل من وجود الأسد أو أي شخص من دائرته، نظرا لتوغل إيران العميق في نظام الحكم القديم.

ولكن، كيف أقنع أحمد الشرع وتنظيمه السياسي والعسكري بقبول دخوله إلى دمشق؟

أدوات القوة الناعمة

وفقا لـ كيريل سيمينوف وأنتون مارداسوف الذين تخصصا في متابعة فصائل المعارضة السورية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، والكتابة عنها في الأوساط الروسية لسنوات والذين ركزا على رصد التحولات العميقة لهذه الفصائل، فإنه منذ عام 2017 تطورت هيئة تحرير الشام بشكل كبير.

الورقة المنشورة على موقع مجلس الشؤون الدولية الروسي، تظهر أن هيئة تحرير الشام شهدت تحولات جوهرية عقب عملية "السورنة"، والتي استهدفت إضفاء الشرعية على التنظيم والابتعاد عن "القاعدة". ورافقت هذه العملية سلسلة من الإصلاحات شملت التحديث العسكري، وتعزيز الهياكل الإدارية شبه الحكومية، ومحاربة التطرف عبر مواجهة تنظيمات مثل "داعش" و"حراس الدين".

هذه الجهود أسفرت عن اكتساب الهيئة خبرة واسعة في إدارة المناطق السورية، حيث تمكنت من تسيير شؤون "حكومة الإنقاذ" التي تضم ملايين السكان.

وعلاوة على ذلك، عملت هيئة تحرير الشام على تعزيز مكانتها عبر تطوير أدوات "القوة الناعمة". فقد ركزت على إعادة إعمار البنية التحتية، وتحسين النظام التعليمي، وتعزيز التواصل مع المجتمع المحلي من خلال عقد مؤتمرات مع شيوخ القبائل والأعيان والتفاوض مع الأقليات. هذه الإجراءات ساهمت في ترسيخ نفوذ الهيئة وتقويض روايات خصومها.

الساحة السورية شهدت تطورات ملحوظة مع صعود الحكومة الانتقالية التي استوعبت عناصر من النظام السابق. هذا التطور، الذي تزامن مع تولي محمد البشير رئاستها حتى مارس 2025، أثار تساؤلات جوهرية حول مستقبل سوريا.

نوايا الهيئة وشكل الدولة!

تتجه الأنظار الآن إلى هيئة تحرير الشام، حيث يتساءل المجتمع الدولي عما إذا كانت ستسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في مارس 2025، وتشكيل حكومة شاملة تمثل جميع أطياف الشعب السوري. أم أنها ستصر على الحفاظ على الوضع القائم، مستبعدة أي شكل من أشكال المشاركة السياسية، وتسعى إلى فرض نظام إسلامي صارم على غرار ما حدث في أفغانستان.

إن مسألة مستقبل سوريا تتجاوز حدودها الجغرافية تمثل اختبارا حقيقيا للإرادة الدولية في مواجهة التطرف والإرهاب، وحماية المدنيين، وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

إنشاء دولة إسلامية في سوريا على غرار حكم طالبان يبدو غير مرجح. ففي إدلب، اختبرت هيئة تحرير الشام نظام حوكمة يُحتمل تطبيقه على مستوى البلاد مختلف عما تطبقه طالبان. وبخلاف طالبان، فأن 60% من طلاب جامعة إدلب من النساء.

كما تُظهر التصريحات العلنية لأحمد الشرع أنه ابتعد عن أيديولوجية السلفية الجهادية التي شكلت هويته كقائد للتنظيم، كما تشير الخطوات الأولى التي اتخذها في استعادة النظام قبل سقوط النظام، والقرارات التي اتخذها لاحقا لبناء مؤسسات جديدة على المستوى الوطني، إلى أنه لديه سيناريوهات مخططة استنادا إلى الخبرة السابقة.

ولا يمكن الاستهانة بهذه الخبرة، حيث تمكن أحمد الشرع من تحويل صورة هيئة تحرير الشام إلى فصيل أقرب إلى تقاليد الأحزاب الإسلامية المعتدلة.

تاريخ التحول

سيكون من التبسيط تفسير اختيار أحمد الشرع لـ "الطريق الوسطي" فقط على أنه براعة في التكيف مع الواقع السوري أو مهارة في التمويه السياسي. تحول أحمد الشرع تدريجيا من النهج السلفي الجهادي إلى أيديولوجية أكثر براغماتية، مستفيدًا من الفراغ الأيديولوجي بين الإسلاميين الديمقراطيين والجهاديين السلفيين.

بدأ التحول في 2016 حين أعيد هيكلة "جبهة النصرة" إلى "جبهة فتح الشام"، مبتعدًا عن مفهوم "جهاد النخبة" الذي ركّز على نخبة جهادية منفصلة عن المجتمع. اعتمد بدلاً منه مفهوم "جهاد البلد"  الأكثر مرونة، تركز على القتال المحلي دون تصدير الجهاد عالميا.

أدى هذا التحول إلى فك ارتباط هيئة تحرير الشام رسميًا مع القاعدة في 2017، مما أتاح لها تقديم نفسها كحركة سورية محلية بدلاً من تنظيم جهادي عالمي. وساعد ذلك في جذب فصائل معارضة أكثر اعتدالاً، مع إبرازها كقوة قادرة على الإدارة المحلية.

بحلول 2019-2021، شهدت أيديولوجية هيئة تحرير الشام تغييرات إضافية، لعبت تجربة "طالبان" في أفغانستان دورا في هذا التحول. غير أن الشرع ركّز على إضفاء الشرعية على تنظيمه، وتصويره كجهة فاعلة أساسية لا غنى عنها في مكافحة الخلايا الجهادية المتطرفة والخطيرة على المجتمع الدولي.

ساعدت نجاحات الشرع في محاربة بقايا "القاعدة" و"داعش" وقادتهم في إدلب على إجبار تركيا على مراعاة مصالح هيئة تحرير الشام. وقد تعزز ذلك بفشل أنقرة في بناء جيش وطني سوري شمال البلاد قادر على تنفيذ عمليات مستقلة.

رغم حفاظ الهيئة على تطبيق محدود للشريعة في إدلب، ما أبعدها عن النموذج الطالباني الصارم ومنحها المرونة في تحسين صورتها كبديل إسلامي معتدل، لكنها تركت تساؤلات حول نواياها طويلة المدى وإمكانية تحولها إلى كيان سياسي أكثر استقرارًا.

الأيديولوجية الجديدة

يشير بعض الباحثين إلى أن الأيديولوجية الجديدة لـهيئة تحرير الشام يمكن تصنيفها بالسلفية الشامية، وهي رؤية تتمركز حول بلاد الشام وتتميز بتسامحها تجاه التيارات الأخرى، والدعوة إلى التغيير التدريجي، حيث تؤمن بتطبيق الشريعة يبدأ من المجتمع نفسه، ولا يُفرض بالقوة.

يعكس هذا النهج رغبة في الابتعاد عن الصرامة الأيديولوجية، مع التركيز على استقرار الحكم وبناء توافق اجتماعي، وهو ما منحها مرونة سياسية وشرعية أوسع مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى.

أظهرت الهيئة بعد سقوط النظام وسيطرتها على دمشق نهج أكثر مرونة وانفتاحا يتجاوز حدود الأيديولوجية للسلفية الشامية، وبدا ذلك واضحا في التصريحات التي تركز على بناء توافق اجتماعي وسياسي بدلاً من استخدام القوة أو الصرامة الأيديولوجية. والتأكيد المتكرر على أهمية الحفاظ على "التنوع الثقافي والتراثي" في سوريا.

وعليه، نجح الشرع في تصدير الهيئة كنواة لنظام حكم جديد في دمشق، وكسب تأييد أقوى دول العالم للتحرك نحو إسقاط الأسد وهذا ما كانت تصبو إليه هذه الدول لكن لم تكن تثق بأي تنظيم سوري حتى الحلفاء؛ لكن على المستوى الداخلي: يبقى التساؤل مفتوحا حول مدى ضمان هذا التنوع الديني والثقافي بشكل دائم، وما إذا كانت الأقليات ستُدمج في جهاز الدولة الجديد.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment