د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
وقف الأكراد إلى جانب تركيا في مواجهتها مع الدولة الصفوية 1514، فكافأتهم على موقفهم ضد الدولة الصفوية، ومنحتهم حكما ذاتيا، لكن تجاهلت بريطانيا وفرنسا في تقسيم أملاك الدولة العثمانية بينهما سوى السعودية التي لم يتمكن البلدان من شمولها في التقسيم، لكن لم يشمل هذا التقسيم في سايكس بيكو 1916 الأكراد في دولة مستقلة، بل كانوا مقسمين على أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسوريا، إلى أن أتت معاهدة سيفر التي تسمى بمعاهدة الصلح بين الحلفاء والدولة العثمانية قبلت تركيا في 10 أغسطس 1920 عقب الحرب العالمية الأولى التنازل عن مناطق كانت تحت نفوذ تركيا كمنح تراقيا والجزر التركية الواقعة في بحر إيجة لليونان، والاعتراف بكل سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب، واعتبار مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم المتحدة، حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62و63، لكن الحكومة القومية لأتاتورك رفضت هذه الاتفاقية في لوزان السويسرية 1923 وتجاهلت ما أقرته معاهدة سيفر من حقوق للكرد.
انهيار نظام الأسد السريع على يد هيئة تحرير الشام، لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تحولات إقليمية ودولية شارك في هذا الانهيار السريع دول إقليمية ودولية على رأسها السعودية وتركيا وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، فإسرائيل بالتنسيق مع روسيا لم تستهدف طائرة الأسد، وهو بدوره أمر قواته بعدم مواجهة قوات هيئة تحرير الشام على غرار أمر نوري المالكي الذي أمر قواته في الموصل بترك سلاحهم لداعش، وإن كان الموقفين مختلفين تماما، هيئة قوات تحرير الشام قوات سورية مدعومة إقليميا ودوليا، بينما داعش قوات إرهابية تابعة للدول الإقليمية والدولية ولها مصالح تود تحقيقها من خلال داعش.
بقراءة سريعة للقاء أحمد الشرع قائد قوات هيئة تحرير الشام سابقا مع قناة العربية ، وكذلك لقاء المشهداني رئيس برلمان العراق أيضا في لقاء مع العربية، فيما صرح الشرع أن حكومته مهتمة بوحدة سوريا ورفض الفيدرالية التي تعني تقسيم سوريا، وأوضح للقناة أن الأكراد مكون سوري، وتضرر كما تضرر بقية الشعب السوري، وانه لابد أن يعودوا إلى مناطقهم، وصرح بأن سوريا لن تكون منطلقا للإضرار بأي دولة مجاورة، وبالنسبة للسلاح لا يمكن أن يبقى سلاح خارج الدولة، وكذلك صرح المشهداني تحذيره من محاصصة في سوريا على غرار محاصصة العراق، وهو يحذر أيضا من تقسيم سوريا.
منذ ذلك الحين ينظر إلى الأكراد المطالبين بإقامة كردستان موحدة على أنهم تهديد للسلامة الإقليمية للدول التي استقروا فيها، تبعا لتقلبات الأحداث الدولية، وإذا نظر إليهم في بعض الأحيان على أنهم حلفاء مؤقتون لقوى معينة، ويعولون كثيرا على الولايات المتحدة، لكنها لا تستطيع تجاهل مصالحها مع تركيا التي عضو في الناتو من أجل منع تحالفها مع روسيا، خصوصا وأنها تشرف على مضيقي البسفور والدرنيل ممرين إلى البحر المتوسط.
يعتبر الأكراد معاهدة لوزان 1923 مأساة تاريخية مريرة بعدما حلت محل معاهدة سيفر1920 مما شكل ضربة قاضية لتطلعات الكرد بتحديد مصيرهم، وبعدما خسروا دولتهم المستقلة وتم تشتيتهم وتقسيمهم بين أربعة دول، فهم يطمحون إلى حكم ذاتي في الجغرافيات التي ينتشرون بها في تلك الدول على غرار حصول الكرد في كردستان العراق.
لا زالت الولايات المتحدة تستخدم ورقة داعش في دعمها أكراد سوريا في أنهم يحمون السجون التي فيها داعش، أعتقد ان أمريكا تستخدم الأكراد ورقة لإخراج روسيا من سوريا خصوصا وأن مناطق الأكراد يسيطرون على النفط والغاز والقمح والقطن والمياه، كذلك تقايض الحكومة الجديدة في سوريا برفع عقوبات قانون قيصر على سوريا بإخراج الروس، وسبق أن رفعت أمريكا العقوبات عن أحمد الشرع شخصيا والإبلاغ عنه.
تجدد المعارك في شمال سوريا بين القوات الموالية لتركيا والأكراد، واستقدمت قوات التحالف الدولي تعزيزات عسكرية من معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراق تضم 50 شاحنة محملة بالمدرعات والآليات العسكرية، فقوات قسد أطلقت صواريخ على مواقع الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا بالقرب من سد تشرين، ورد بقصف مكثف على الأهداف الكردية بالقرب من بلدة كوباني الحدودية، وتتهم تركيا بمحاولة استغلال الفراغ في السلطة بسوريا، لسحق المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، فأمام الحكومة الانتقالية والدول العربية التي تساند تلك الحكومة مهمة لحل الأزمة دبلوماسيا لتعود سوريا دولة موحدة مستقرة.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments