الإعلامي كريم حداد
مع طي صفحة عام 2024، يجد لبنان نفسه في مواجهة حقائق جديدة ووقائع دراماتيكية أثقلته بتحولات عميقة على الصعيدين الداخلي والإقليمي. كانت هذه السنة بمثابة اختبار قاسٍ لمنظومة المحاور التي طالما اعتمد عليها حزب الله ونظام الأسد، إذ أدت سلسلة من الانتكاسات العسكرية والسياسية إلى انكشاف هشاشتها، بينما بات الداخل اللبناني يغلي تحت وطأة أزمات سياسية واقتصادية خانقة.
لقد كشفت الأوضاع الإقليمية عن انهيار المشروع الإيراني الذي ظل لعقود يراهن على نفوذ السلاح، ما وضع حزب الله في موقع دفاعي غير مسبوق. اليوم، يتساءل اللبنانيون: هل يدرك الحزب أن الاستمرار في دوره التقليدي لم يعد ممكناً؟ وهل سيقبل أخيراً بالاندماج في مشروع الدولة، مسلماً سلاحه للشرعية اللبنانية ليصبح جزءاً من نسيج وطني جامع بدلاً من كونه مشروعاً منفصلاً ينهك الوطن؟
في الوقت ذاته، برزت أزمة المسيحيين التي تستدعي مراجعة جذرية، فالصراعات الداخلية والخطابات الإلغائية أثبتت عقمهما. المطلوب الآن تحويل هذا التنافس إلى ديمقراطية مثمرة تخرج بمشروع وطني يحمي الكيان والدستور، ويضع أسساً لإنقاذ البلاد من الانهيار العميق.
على المقلب الآخر، تبدو الطائفة السنية أمام مفترق طرق مشابه، حيث تحتاج إلى فرز قيادات إصلاحية قادرة على إعادة الثقة بين اللبنانيين ودول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، التي تقود واحدة من أبرز خطط الإصلاح والنهوض في المنطقة.
وسط هذه المشاهد المتداخلة، تتكرر المطالب الشعبية بمواجهة كارتيلات الفساد التي استنزفت لبنان على مدى عقود. إن اللبنانيين الشرفاء من مختلف الطوائف والمذاهب يدركون أن المحاسبة وإعادة بناء دولة القانون هي المدخل الوحيد لبناء سلطة تحمي حقوق المواطنين وتوفر لهم حياة كريمة.
وفي ظل استمرار الشغور الرئاسي منذ أكثر من عامين ، يدخل لبنان عام 2025 وهو يرزح تحت عبء أزمة سياسية خانقة. معركة الرئاسة تتأرجح بين الأسماء المطروحة، وعلى رأسها قائد الجيش العماد جوزف عون وسليمان فرنجية، لكن الانقسامات الحادة والمصالح الضيقة تحول دون انتخاب رئيس قادر على مواجهة التحديات.
رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يدرك حجم التحولات الإقليمية، يجد نفسه أمام معضلة البحث عن “ضمانة سياسية” وسط اشتباك داخلي وتجاذبات خارجية. ومع ذلك، تبقى الانتخابات الرئاسية مفتاح الحل للخروج من المأزق إذا توافرت الإرادة الوطنية للتفاهم على رئيس يحمل مشروعاً إصلاحياً وسيادياً يعيد بناء الدولة من أنقاضها.
لقد كان عام 2024 مرآة عاكسة لحقيقة الانهيار الذي يعيشه لبنان. ورغم سواد المشهد، لا يزال الأمل قائماً بأن يحمل العام الجديد فرصة حقيقية للتغيير، إذا ما قرر اللبنانيون اغتنامها بشجاعة. فإما أن يتحول عام 2025 إلى نقطة انطلاق نحو بناء وطن جديد، وإما أن يكون استمراراً لمسار الانهيار الذي يهدد وجود لبنان كدولة وكيان.
آخر متابعة لعام 2024: عسى أن يكون العام المقبل أفضل للبنان وأبنائه، وأن تتحول الأزمات إلى فرصة للنهضة والعودة إلى المسار الصحيح.
Comments