bah لبنان وأزمة الفراغ الرئاسي: خيارات صعبة بين التوافق والتصعيد - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

لبنان وأزمة الفراغ الرئاسي: خيارات صعبة بين التوافق والتصعيد

01/05/2025 - 19:46 PM

Atlas New

 

 

 

 الإعلامي كريم حداد

 

مع اقتراب موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية في 9 كانون الثاني 2025، يواجه لبنان أزمة معقدة تتشابك فيها الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية. وكما في محطات سابقة منذ عام 1988، يهدد التعطيل والانقسامات السياسية بإبقاء البلاد في حالة شلل مؤسسي، تعمق الانهيار الحاصل.

مرشحون وخيارات متباينة

لا تزال المعارضة اللبنانية تدعم مرشحها جهاد أزعور، الذي يحظى بـ 65 صوتًا حتى الآن، ما يعكس توافقًا داخليًا ودعمًا دوليًا محدودًا لترشيحه. ومع ذلك، يظهر قائد الجيش العماد جوزيف عون كخيار مقبول لدى المعارضة والمجتمعين العربي والدولي، إضافة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين، لما يمثله من رمزية في تحقيق التوازن والاستقرار.

أمام هذه المعطيات، تبرز سيناريوهات محتملة:

1. التوافق على قائد الجيش: وهو المخرج الأسرع للأزمة نظرًا لدعمه داخليًا وخارجيًا.

2. معركة انتخابية جديدة: في حال فشل التوافق، قد تنزلق البلاد إلى مواجهة سياسية حادة بين المرشحين، مما يعمق الانقسام.

التصعيد الأمني والسياسي

الوضع الأمني يزداد هشاشة مع استمرار الفراغ. تصريحات الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، أشارت إلى عدم التزام الحزب باتفاق وقف إطلاق النار الأخير، مع احتمال العودة إلى الحرب بعد انتهاء هدنة الستين يومًا. في موازاة ذلك، فقد نواب الحزب دورهم المؤثر في البرلمان، مما يعكس تراجعًا في قدرتهم على فرض أجندتهم السياسية.

الأزمة الاقتصادية وإصلاحات مشروطة

يتزامن الفراغ الرئاسي مع انهيار اقتصادي مستمر. المملكة العربية السعودية أكدت أن دعمها للبنان مشروط بإصلاحات جذرية للخروج من دائرة الفساد، كخطوة أساسية قبل الدخول في مرحلة إعادة الإعمار والاستثمار.

سلسلة من الفراغات الرئاسية المتكررة

الفراغ الرئاسي في لبنان ليس جديدًا، بل تكرر مرارًا منذ عام 1988، مع آثار كارثية على استقرار البلاد:

1. 1988: انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل دون توافق على خلفٍ له، مما أدى إلى انقسام بين حكومتين وحروب داخلية. ودخول القوات السورية وسيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية.

2. بين عامي 2007 و2008، شهد لبنان فراغًا رئاسيًا استمر ستة أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، وذلك في ظل مرحلة ما بعد انسحاب القوات السورية عام 2005، حيث برزت بداية هيمنة حزب الله على المشهد الداخلي. هذا الفراغ بلغ ذروته مع أحداث “7 أيار” التي عمّقت الانقسام السياسي والأمني في البلاد، وانتهى لاحقًا باتفاق الدوحة الذي أعاد تشكيل التوازنات السياسية.

3. 2014-2016: أطول فراغ رئاسي دام سنتين ونصف، مما شل مؤسسات الدولة وأدى إلى أزمات اقتصادية حادة.

4. 2022: فراغ مستمر منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، مع انهيار اقتصادي متسارع.وعام ٢٠٢٤ كانت الحرب القاسية بين اسرائيل وحزب الله والتي أدت إلى استشهاد امين عام الحزب السيد حسن نصرالله ومعظم قيادات الحزب إضافة إلى عدد كبير من أفراده واسرائيل تحتل نحو ٥٠٠ متر كلم ٢ من بلدات الحدود

الوضع الأمني في لبنان يزداد تعقيدًا مع استمرار الفراغ الرئاسي. حزب الله يحاول التنصل من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم مع إسرائيل، في ظل مؤشرات على تصعيد محتمل بعد انتهاء هدنة الستين يومًا. تصريحات الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب، تعكس هذا التوجه، مشيرًا إلى أن الحزب غير ملتزم تمامًا بما وقع عليه.

في موازاة ذلك، يواجه الحزب تحديات على صعيد السيطرة الداخلية، أبرزها الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها جهاز أمن المطار، حيث يتم التفتيش الدقيق للطائرات والركاب، مما يثير توترات حول نفوذ الحزب وقدرته على تجاوز هذه التدابير. على الرغم من خسائره الأخيرة أمام العدو الإسرائيلي، يحاول الحزب التظاهر بالقوة والسيطرة، مع التركيز على فرض أجندته السياسية في مجريات انتخاب الرئيس.

هذه المحاولات لإعادة فرض الهيمنة تأتي في وقت فقد فيه نواب الحزب دورهم المحوري في البرلمان، حيث باتوا يواجهون تراجعًا واضحًا في قدرتهم على التأثير، وسط أزمات سياسية وأمنية تهدد بتفجير الوضع الداخلي.

لبنان يمر بمرحلة حرجة مع استمرار الفراغ الرئاسي الذي يفاقم أزمات البلاد المتراكمة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. تعطل انتخاب رئيس جديد أدى إلى شلل شبه كامل في مؤسسات الدولة، حيث أصبحت القرارات الكبرى معطلة والإدارة العامة في حالة انهيار. غياب السلطة التنفيذية الفاعلة أدى إلى تفاقم التجاذبات السياسية، مما عمّق الأزمات الإدارية والبيروقراطية وزاد من معاناة المواطنين اليومية.

على الصعيد الاقتصادي، يواجه لبنان انهيارًا ماليًا واجتماعيًا غير مسبوق، مع تدهور قيمة الليرة اللبنانية إلى مستويات قياسية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. الخدمات الأساسية أصبحت شبه معدومة، مما دفع بالمواطنين إلى حالة من اليأس والإحباط، في ظل غياب أي بوادر للإصلاح. هذا الواقع دفع شريحة كبيرة من اللبنانيين، لا سيما الشباب وأصحاب الكفاءات، إلى الهجرة بحثًا عن حياة كريمة خارج البلاد. موجة الهجرة المتزايدة تُفرغ لبنان من نخبه، مهددة بذلك مستقبل التنمية والاقتصاد على المدى الطويل.

وسط هذا المشهد المظلم، تبدو الخيارات المطروحة للخروج من الأزمة محدودة لكنها ضرورية. يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية للاتفاق على رئيس جديد يحظى بقبول محلي ودولي، مثل قائد الجيش، الذي يُنظر إليه كشخصية قادرة على قيادة المرحلة المقبلة واستعادة الاستقرار. إلى جانب ذلك، لا بد من توفير دعم إقليمي ودولي لضمان عملية انتخابية شفافة تعكس تطلعات الشعب اللبناني بعيدًا عن التدخلات السياسية التي تعمق الانقسامات. الإصلاحات الجذرية تبقى مفتاح الحل، بدءًا من محاربة الفساد إلى إعادة هيكلة الاقتصاد واستعادة ثقة المجتمع الدولي، بما يتيح للبنان الحصول على الدعم المالي والإنساني اللازم.

في ظل تعطل الحلول السياسية، يلوح خطر استمرار الفراغ وما يرافقه من تداعيات كارثية. الشلل المؤسسي قد يقود إلى انفجار أمني واقتصادي يهدد استقرار البلاد برمته. إذا لم تتمكن القوى السياسية من تجاوز خلافاتها والتوصل إلى توافق، فإن لبنان سيواجه مستقبلًا أكثر قتامة، مع تفاقم الأزمات ودخول البلاد في دوامة من الفوضى والانهيار.

الأوضاع الراهنة تستدعي تحركًا عاجلًا لإنقاذ لبنان، فالفرصة لا تزال قائمة لإعادة بناء الدولة واستعادة الثقة بها، شرط توفر رؤية واضحة وإرادة صادقة للخروج من الأزمة. الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي سيسلكه لبنان، إما نحو الاستقرار والإصلاح، أو نحو المزيد من التدهور الذي قد يهدد الكيان اللبناني في جوهره.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment