كتب حسن صالح
بعد فراغ رئاسي دام سنتين، انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش، العماد جوزيف عون، رئيساً للجمهورية. جاءت هذه الانتخابات في ظل ظروف سياسية وأمنية معقدة، وبعد حربٍ قاسية شنتها إسرائيل على لبنان، استهدفت البشر والحجر، مع تركيز خاص على البيئة الحاضنة للمقاومة والطائفة الشيعية. هذه الحرب تُعدّ من أشد الحروب التي تعرض لها لبنان وهدفت بشكل واضح إلى إضعاف حزب الله، الذي يمثل خط الدفاع الأول في وجه إسرائيل.
يشكل الشيعة جزءاً رئيسياً من محور الممانعة، الرافض للتطبيع مع إسرائيل والداعم للمقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، عانت هذه الطائفة من حصار اقتصادي خانق، إضافة إلى تجميد الأموال في المصارف اللبنانية، ما أثر بشكل مباشر على المودعين، الذين يُعتقد أن غالبيتهم من أبناء الطائفة الشيعية.
على الساحة الداخلية، شهد لبنان انقسامات حادة بين القوى السياسية. المعارضة، وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية، اعتبرت من قبل محور الممانعة "ثورة تشرين" أداة تهدف إلى إضعاف المقاومة. ويرى أن مطالبها السياسية والسيادية بعيدة عن الواقع اللبناني. تزامنت هذه الانقسامات مع محاولات دولية وإقليمية للحد من النفوذ الإيراني وضرب محور المقاومة.
الحرب العسكرية والاقتصادية أضعفت حزب الله وحاصرت خطوط إمداده، خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان يعتمد عليه الحزب كخط إمداد أساسي من إيران. أصبح الحزب في موقف دفاعي محاصر من جميع الجهات، ما فرض عليه تحديات وجودية في ظل هذه الضغوط المتزايدة.
انتخاب العماد جوزيف عون: مرحلة جديدة؟
انتخاب جوزيف عون أثار تساؤلات كثيرة حول المرحلة المقبلة. بعد وقف إطلاق النار، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخابية، وهي خطوة اعتبرها البعض جزءاً من تفاهمات سياسية دولية. ومع ذلك، صرّح النائب هاني قبيسي بأن ما حدث لاحقاً كان بمثابة "انقلاب سياسي"، خاصة مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، بعدما كان الاتفاق الأولي يقضي بتسمية نجيب ميقاتي.
تكليف نواف سلام، القاضي في محكمة العدل الدولية، يثير قلق الثنائي الشيعي. يُنظر إليه كخطوة لنقل لبنان من خيار المقاومة المسلحة إلى خيار المقاومة القانونية، مما يعكس صراعاً حاداً حول مستقبل البلاد.
في خطاب القسم، صرح العماد جوزيف عون بأن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة حصراً. هذه الرؤية الدولية لنزع سلاح المقاومة اللبنانية تصطدم بالواقع، حيث لا يزال حزب الله يمتلك قوة عسكرية لم تتمكن إسرائيل، رغم ضرباتها القاسية، من القضاء عليها.
يُخشى أن يكون تكليف نواف سلام مقدمة لتقويض المقاومة من الداخل، تحت غطاء المحاكم الدولية. الأمر مشابه لمحاكمات قادة حماس وبعض المسؤولين الإسرائيليين بتهم جرائم حرب.
على صعيد المعارضة، برزت شخصيات وزعامات وراثية تدعي تمثيل السيادة والديمقراطية، مثل تيمور جنبلاط، سامي الجميل، ميشال معوض، فيصل كرامي، وأسامة سعد، وكل منهم ورث زعامة حزبه عن والده.
كيف يمكن لجمهور حزب الله أن يقتنع بأن هذه الشخصيات، التي تُعتبر من أبرز خصوم المقاومة داخلياً، هي من سيحقق التغيير؟ وهل سيتمكن لبنان في ظل هذا العهد الجديد من تجاوز أزماته السياسية والاقتصادية؟
مع تحديات كبرى، مثل تطبيق القرار 1701، إعادة الإعمار، بناء دولة غير فاسدة، وتصحيح وضع الجيش، يظل الترقب سيد الموقف بانتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات على الساحة اللبنانية، وسط واقع سياسي وأمني يزداد تعقيداً.
Comments