عادل صوما
كما هو واضح سنوياً، أصبح تقليداً إرهابياً/جهادياً معايدة المسيحيين في أعيادهم خصوصاً الكريسماس، إما بنسف كنيسة أو دهس مواطنين في سوق الأعياد، أو طعن مواطنين، أو الاعتداء على احتفالات الكريسماس في عواصم الدنيا لأن دولة إسرائيل تحارب "حماس"، أو إطلاق الرشاشات على مطرانية وحرق شجرة كريسماس كما حدث في سورية أخيراً.
ما أقوله لا يدخل تحت بند إثارة نعرات طائفية. وقائع كما هي، ويستحيل قبول فكرة شخص مختل كان خلفها، فالأحداث تملأ السوشيال ميديا ومواقع رصد الإرهاب الجهادي السياسي، لكن الإعلام الموَّجه سواء في الغرب أو الشرق الأوسط يتجاهل الإشارة لمثل هذه الاعتداءات، سوى ما كان صعباً التكتم عليه.
الصورة الأكبر
هذه الاعتداءات لها منشأ غير القرآن، الذي لم يرد فيه ما قاله الأئمة عن مشاركة الآخر في مناسباته، فعلى سبيل المثال، يرى ابن تيمية أن مشاركة غير المسلمين في أعيادهم هو بمثابة "الموافقة في الكفر"، وبيّن تلميذه ابن القيم الجوزية أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم "أعظم إثماً من تهنئتهم بشرب الخمر والزنا ونحو ذلك". كما يرى يوسف القرضاوي المعاصر لنا أن مشاركة المسلمين للمسيحيين في أعيادهم "تخلي الأمة الإسلامية عن هويتها الإسلامية"، كما يرى الإمام المتجنِّس في كندا يونس كاثرادا أن من يتقاضى الربا أو يكذب أو يزني أو يقت "لا يفعل شيئا مقارنة بخطيئة تهنئة غير المسلمين وتحيتهم في أعيادهم الكاذبة".
هؤلاء الأئمة شرّعوا أيضاً العنف ضد غير المسلمين في أعيادهم.
واضح أن هؤلاء أئمة حشد لحروب، يعيشون في حياة موازية لا لها علاقة بالواقع، ويرفعون عقيرتهم ببيانات عسكرية تحريضة على جيوش الكفار، ولا يفقهون شيئاً في السلم الأهلي أو تبادل المودة والمصالح التجارية في المناسبات. كما يبين أيضا من فتاويهم الجهل، أو اعتبار معظم المسلمين جهلة، إذ يعتبرون الزنا لا شيء مقارنة بتهنئة المسيحي في عيده.
بل هم كذابون أجلاف لأنهم يلمّحون إلى شيئين غير حقيقيين في المسيحية هما اباحة الزنا وشرب الخمر. لا نص واحداً في الأناجيل يبيح الزنا. كما أن المسيح لم يمنع شرب الخمر لأنه رجل منفتح كما يبدو، يعلم ان شربها حرية شخصية، ناهيك عن كونه مبشراً مسالماً لا يصطحب محاربين ومرتزقة يهمه ألاّ يكونوا سُكارى في حروبه!
ورغم ذلك فقد تقوّل هؤلاء الجهلة الأجلاف عليه: "سيدنا عيسى قال أن قليلا من الخمر يشفي المعدة". هذا القول لبولس الرسول!
المجتمعات المدنية
تحريض الناس على بعضهم بعضاً من أئمة سياسيين أجلاف، أمر خطير جداً على سِلم المجتمعات المدنية التي تحصى اليوم بالمليارات. العيش على الكوكب لم يعد مجرد عشرات ملايين من البشر وبعض مدن متفرقة.
يبدو أن هذا القرن هو قرن المحاولة الأخيرة الفاشلة حتماً لنشر فكر ديني موحَد على البشرية، فقد حاول بولس الرسول بالتبشير وسافر في أنحاء الإمبراطورية الرومانية "حتى تسجد كل ركبة للمسيح"، وستنتهي محاولات اليوم بعد مواجهات خطيرة ربما تكون دموية، إلى حصر عبادة الله داخل المعابد، من أجل السِلم الأهلي في العالم، وللراحة النفسية والعلاج بوهم حياة أخرى، لإنسان لا يريد أن يصدق أنه كأي مخلوق، يوجد على الكوكب لفترة نتيجة ظروف، وسيموت بعدها ويذهب إلى لاشيء.
خلود النفس بعد الموت "تصوّر" مصري قديم إقتُبس وتحول إلى "إيمان"، فلا شيء علمياً يثبت خلود الطاقة، التي يطلقون عليها نفس أو روح.
خاتمة القول
كل الأفكار الإبراهيمية مقتبسة من اليهودية، وأساطير اليهودية مقتبسة من السومرية والحضارات المتوسطية، وفي أسطورة الطوفان التوراتية الذي كان هدفه ابادة البشرية لعصيانها، ورد أن الله وعد بالكف عن التدخل في إدارة سلوكيات البشر ، وجَعَلَ قوس القزح إشارة للناس بعد كل مطر شديد، ليتذكر الناس الوفاء بقراره ووعده.
الأسطورة وضعت الله خارج تاريخ مسار الإنسان بعد الطوفان، لكن المنتفعين من الأديان كافة أرجعوه مرة ثانية، والمرّجح أن تعيده وقائع الدنيا وتطورها وصدامات البشر إلى مكانه في الغيبيات، أو في السماء السابعة، ووقتها سيحتفل كل الناس بأعياد الجميع بسلام وبهجة، لأن المناسبات منذ بداية ظهور المجتمعات، وحتى قبل ظهور فكرة الإله الإبراهيمي، كانت للمنفعة والتجارة والمشاركة وتبادل البضائع والمعرفة، حتى الصين تكتمت على بدء ظهور كوفيد، لأن أول أصابة ظهرت في ووهان قبل مناسبة الكريسماس، وهي أكبر مناسبة تجارية على الكوكب حتى اليوم.
Comments