الاعلامي كريم حداد
في محطة مفصلية من تاريخ لبنان، انتُخب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية بعد توافق داخلي ودعم دولي وإقليمي، ليصبح الرئيس الرابع عشر للبلاد. في المقابل، سمّت غالبية النواب، باستثناء نواب الثنائي الشيعي، القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة، في خطوة تعكس مسارًا جديدًا في المشهد السياسي اللبناني.
رئاسة الجمهورية: توافق غير مسبوق
شكّل انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية خرقًا للجمود السياسي الذي عانى منه لبنان خلال فترة الشغور الرئاسي. هذا التوافق يعكس قناعة محلية ودولية بضرورة وصول شخصية قادرة على التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد. وقد جاء هذا الانتخاب بعد مسار طويل من المفاوضات بين مختلف القوى السياسية، مدعومًا بتأييد إقليمي ودولي، لا سيما من الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية فاعلة.
يُنظر إلى جوزاف عون كشخصية وازنة حافظت على تماسك المؤسسة العسكرية خلال أصعب المراحل، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت والاحتجاجات الشعبية. ومع ذلك، فإن نجاحه في موقع الرئاسة سيتوقف على مدى استقلاليته في اتخاذ القرارات، وقدرته على تجاوز المحاصصة السياسية التي لطالما عرقلت مسيرة الإصلاح في لبنان.
رئاسة الحكومة: نواف سلام خيار جديد بمعارضة ثنائي حزب الله – أمل
على الضفة الحكومية، أفضت المشاورات النيابية إلى تسمية القاضي نواف سلام رئيسًا للحكومة بأغلبية نيابية، باستثناء معارضة نواب الثنائي الشيعي، الذين لم يمنحوه تأييدهم. سلام، الدبلوماسي والقانوني البارز، يُعد من الشخصيات الإصلاحية التي تحظى بدعم داخلي ودولي، وهو ما يعكس رغبة العديد من القوى السياسية في الابتعاد عن نهج الحكومات التقليدية التي عجزت عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
لكن تسمية سلام لا تعني بالضرورة طريقًا سالكًا نحو تشكيل الحكومة، إذ من المتوقع أن تواجهه عراقيل سياسية من بعض الأطراف التي ترى فيه خيارًا غير منسجم مع توازناتها. نجاحه في تشكيل حكومة فاعلة سيكون رهنًا بمدى تجاوب القوى السياسية مع متطلبات المرحلة، ومدى قدرته على إحداث خرق في المشهد السياسي التقليدي.
اختبار المرحلة المقبلة
مع هذه المعادلة الجديدة، يبدو أن لبنان أمام فرصة لإعادة تصويب مساره السياسي، لكن ذلك يتطلب:
• انسجامًا بين الرئاستين الأولى والثالثة لضمان التنسيق في القرارات المصيرية.
• حكومة متجانسة بعيدًا عن الحسابات الضيقة، تضع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية على رأس أولوياتها.
• دعمًا داخليًا ودوليًا فعالًا يُترجم إلى خطوات تنفيذية وليس مجرد وعود.
في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بالبلاد، تبدو هذه المرحلة اختبارًا حقيقيًا لقدرة القوى السياسية على تجاوز المصالح الضيقة والعمل لإنقاذ لبنان من دوامة الانهيار. فهل يشكّل هذا التغيير بداية مرحلة جديدة أم مجرد محطة عابرة في المشهد السياسي اللبناني؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.
Comments