د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
لم يكن انتخاب الرئيس العماد جوزيف عون رئيسا للبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة بعد فترة تمسك الثنائي الشيعي بمرشحهم رئيس المردة سليمان فرنجية، وكان يربط خلال الفترة الماضية نبيه بري رئيس البرلمان بفتح جلسة جديدة بحوار وتفاهم مسبق، لكن عاجلته المتغيرات الكبرى التي حسمت فتح جلسة للبرلمان لإنهاء الشغور الرئاسي واختيار رئيس للبنان.
تبدأ المتغيرات الكبرى التي قادتها السعودية بمصالحة إقليمية مع قطر في العلا في 7 يناير 2021 في القمة الخليجية ال41، وتعتبر انتصارا لمجلس التعاون الخليجي ووقف فتح شهية إيران وتركيا بالتوغل في المنطقة العربية بحجة الدفاع عن قطر بهدف ترسيخ جسر عبور إلى دول الخليج العربي، ورغم ما حدث فإنه يعتبر وضعا استثنائيا لسنوات مضت ولم تكن فقط خليجية أعادت للمنطقة لحمتها كما يظن البعض، بل كانت مفتاحا لمصالحات أوسع في المنطقة، بل بوابة إلى مصالحات أوسع وأكثر شمولا في منطقة لم تعد حدودها السياسية في بلاد العرب، ورغم ان كثير من المحللين في ذلك الوقت توقعوا ان تركب تركيا موجة المصالحة بعد انهيار اقتصادها فيما رأى آخرون أن إيران اختارت لنفسها موقع العداء الدائم، لكن السياسة ديناميكية لا تعرف المستحيل خصوصا وأن اقتصاد إيران انخفض من 400 مليار دولار إلى 190 مليار دولار في 2019 يجعلها تفكر في تغيير نهجها.
اتجهت السعودية إلى استخدام دبلوماسية نشطة متجددة غير تقليدية بعد مرحلة من الحلم الذي تميزت به السعودية خلال فترة الخمسينات والستينات في مواجهة عواصف القوميين والبعثيين واليسار الشيوعي ثم تبعتها آلة تصدير الثورة الخمينية المدمرة للمنطقة العربية بمساعدة الدعم الغربي والإسرائيلي عززت هيمنة الحرس الثوري في المنطقة بالتحالف مع جبهة الإخوان المسلمين الذين ركبوا موجة ثورات الربيع العربي في 2011 ولم تتمكن الدول العربية من مواجهتها في ليبيا وسوريا كما تم مواجهتها في تونس ومصر، بينما بحكم أهمية موقع اليمن لم يسمح الغرب للسعودية أن تقود مرحلة تحول سلمي داخل اليمن وتركت إيران من أجل التوصل معها إلى اتفاق نووي في 2015 غض الطرف عن تدخل أداتها الحرس الثوري الإيراني عبر ذراعها الحوثي في اليمن الذي دربته منذ بداية الثورة الخمينية في 1979 كان جاهزا للتدخل خدمته الصراعات داخل اليمن.
أربكت المصالحة السعودية التركية إيران بل اعتبرتها جزءا من جهود الولايات المتحدة لتقريب حلفائها من بعضهم من أجل أن يجعلها في عزلة، بل اتهمت مواقع مقربة من الحرس الثوري أن أردوغان يقوم بتأجير السياسة الخارجية التركية للسعودية والإمارات، خصوصا وأن أردوغان دعم عاصفة الحزم في اليمن في 2015 بل ومنح الملك سلمان عند زيارته تركيا وسام الجمهورية ووصفه بانه ضمانة للاستقرار والأمن في المنطقة، وكانت السعودية وأنقرة على خط واحد إزاء الصراع في سوريا رغم تباين مواقف البلدين حول الربيع العربي، وكانت المصالحة السعودية التركية مفتاحا للمصالحة الإقليمية مع مصر ودولة الإمارات.
مثل الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية زلزال سياسي أربك خطط الولايات المتحدة بل تعتبر صفقة ثلاثية الأبعاد لواشنطن بعدما مسكت الدبلوماسية السعودية زمام دفن الخلافات الإقليمية حتى لا يتم التلاعب بتلك الخلافات، بالطبع دعمت السعودية الممر الهندي الأخضر المار بمنطقة الخليج إلى أوروبا وإعلانه في قمة العشرين في الهند يتطلب إنهاء محور المقاومة الذي يعيق هذا الممر الذي تعتبره واشنطن منافس قوي للحزام والطريق، ما يعني أن المنطقة موعودة بمنطقة اتصال بين الشرق والغرب، جرى على إثر تلك المتغيرات مناقشة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لتكون إسرائيل ضمن هذا الممر.
بالطبع كان طوفان الأقصى مرحلة فاصلة إيران ظنت أنه يعيق إقامة دولة فلسطينية ينهي مشروعها، فيما رأت إسرائيل وامريكا والغرب الذين اصطفوا إلى جانب إسرائيل ووجدوا الفرصة المواتية للإجهاز على محور المقاومة ليس فقط القضاء على حماس التي ارتمت في أحضان إيران بل وجدت لزاما عليها القضاء على قلب محور إيران حزب الله كان فرصة أمام استعادة سيادة سوريا ولبنان، التزمت السعودية الحياد الإيجابي رفضت المشاركة حتى في حارس الازدهار.
منذ ان استقل لبنان عام 1943 كان لبنان التنافس عليه بين فرنسا وبريطانيا، وبعد هزيمة الجيوش العربية في 1948 برز التنافس الأمريكي البريطاني للسيطرة على المنطقة، وانتخب كميل شمعون بدعم بريطاني عربي، إثر انكفاء بريطاني بعد حرب السويس 1956 دخلت الولايات المتحدة في منافسة شرسة مع الاتحاد السوفيتي انتهت بتفاهم مصري أمريكي وتم انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب في 1958.
حتى نضوج التنافس الأمريكي السوفيتي في 1964 انتخب شارل حلو، وبعد انكفاء الناصرية بعد هزيمة 1967 انتشر العمل الفدائي الفلسطيني قوي مقابله الحلف المسيحي في لبنان بالتحالف مع الغرب، جاء انتخاب سليمان فرنجية عام 1970، ثم انتخاب إلياس سركيس عام 1976 بتفاهم سوري أمريكي حينها دخلت قوات الردع السورية والعربية إلى لبنان، ثم جاء انتخاب بشير الجميل 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي لبنان ثم امين الجميل، ولم يسمح ميزان القوى المرتبك عام 1988 انتخاب رئيس للبنان استمر الشغور الرئاسي لمدة سنتين نتج عنها الحرب بين الجيش والقوات اللبنانية إلى أن اتى اتفاق الطائف في 1989 وهو اتفاق عربي دولي تم انتخاب رينية معوض، ثم إلياس سركيس بعد اغتيال رينيه معوض، في ظل هيمنة سورية، وشهد لبنان انتخاب أميل لحود، حتى 2007.
وبعد اجتياح العراق من قبل أمريكا ظهرت معادلة جديدة تمددت إيران إلى العراق وزاد نفوذ حزب الله في لبنان واغتيال الحريري 2005 نتج عنه انسحاب سوريا من لبنان، لم يتمكن اللبنانيون انتخاب رئيس للبنان بعد نهاية فترة لحود عام 2007 حتى جاء اتفاق الدوحة عام 2008 الذي أوصل العماد ميشال سليمان بموافقة سعودية مصرية، لكنها كرست نفوذ حزب الله، إلى أن أتى حزب الله بمرشحه العماد ميشيل عون في ظل توازن سلبي 2014 حتى احتضاره في أكتوبر 2019 إلى أن أتى انتخاب جوزيف عون قائد الجيش في 9/1/2025 ب99 صوتا من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفارغ الرئاسي وفي خطابه أكد التزامه الحياد الإيجابي وتجاهله عبارة المقاومة خلافا للخطابات السابقة التي طبعت العهود السابقة وتأكيده على حق الدولة في تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح تبدا مع انتخابه مرحلة جديدة من تاريخ لبنان.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة ام القرى
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments