رسالة لندن - ألفة السلامي
قد يتسلل إلى ذهنك أن المواطن البريطاني "شكّاء" عندما تستمع إلى حديثه عن مشكلاته وكأنه يعيش في دولة نامية تئن بالصعوبات. هذه الفكرة هي عكس الطريقة التي ينظر بها الغالبية إلى البريطانيين باعتبارهم يرفلون في رغد العيش مقارنة حتى ببقية دول أوروبا. وعندما تستمع إلى شخص يشتكي ظروف المعيشة في لندن لا تتمالك من الهمس في داخلك "عليه أن يحمد ربه!" لأن الوضع مازال هو الأفضل. لكن عندما تقرأ عمود جونهاريس بصحيفة الغارديان البريطانية تدرك إن تراجع الجودة في حياة الناس خلال السنوات الأخيرة أمر ملفت لدرجة إشارته إلى أنه "لا يعتقد قد مر خلال 15 عاما الماضية بهذا المزاج العام البائس والمحبط الموجودة حاليا في بريطانيا".
وتتصدر الشكوى مشكلة الإيجارات، خاصة في العاصمة لندن التي قفزت بأسرع وتيرة على الإطلاق في الشهور الماضية وبشكل ملحوظ، وفقا للبيانات الرسمية التي تسلط الضوء على الصعوبات المتزايدة التي يعاني منها المستأجرون بعد عامين من ارتفاع تكاليف المعيشة. وذكر مكتب الإحصاءات الوطنية لصحيفة فاينانشال تايمز أن الإيجارات في لندن زادت بشكل فلكي وبنسبة 11.6 ٪ في الأشهر الـ 12 الماضية وحتى نوفمبر 2024، وهي أسرع وتيرة سنوية منذ بدء السجلات في عام 2006.
وتجاوز متوسط الإيجار الشهري لشقة صغيرة في لندن 2200 جنيه إسترليني لأول مرة، ويمكن أن يتعدى إيجار الغرفة الواحدة في منزل مشترك - وربما حمام مشترك أيضا - مبلغ الألف جنيه؛ في المقابل، تراجع بيع المنازل خلال عامي 2023 و2024، كانعكاس لتأثير ارتفاع أسعار الفائدة في بنك إنجلترا على تكاليف الرهن العقاري، حيث أن المشترين يحصلون على قرض الشراء من البنك لسداد ثمن المنزل بالكامل للمالك، بينما يتولون سداد قيمة القرض مع الفائدة للبنك على مدة طويلة قد تصل لثلاثين عاما، وهذا جانب إيجابي في تسهيل امتلاك منزل. وقد بدأت معدلات الرهن العقاري في الارتفاع من جديد منذ شهر أكتوبر الماضي بعد موازنة الحكومة التي تسعى لكبح جماح التضخم.
لفت صديق عراقي كان يعمل دبلوماسيا في القاهرة ويعيش منذ 20 عاما في لندن إلى تراجع الأمان في العاصمة البريطانية حيث زادت معدلات الجريمة ويفسر ذلك بزيادة صعوبات المعيشة مع معاناة المهمشين والمشردين، إضافة لتدفق لاجئين في حالة مزرية من التحديات واليأس. وأشار إلى أن الحكومة البريطانية أطلقت حملة جديدة للسيطرة على تدفق اللاجئين عبر القنال الإنكليزية الفاصلة بينها وأوروبا بعد ارتفاع نسب اللاجئين الذين يتم تهريبهم عبرها بنسبة 25% خلال العام الماضي، مع ملاحظة ارتفاع أصوات اليمين البريطاني المتطرف الذي يقود حملة للمطالبة بــ "طرد" اللاجئين الذين يعانون حاليا من "العبودية" داخل بريطانيا.
وبالبحث عن قصة العبودية التي ذكرها صديقي، وجدت أن الحكومة تشير بأصابع الاتهام إلى "عصابات التهريب" التي تقوم بابتزاز اللاجئين، خاصة من العراقيين والسوريين وبعض الأفارقة الداخلين إلى أراضي بريطانيا للبحث عن عمل وقد يصل الأمر بهم إلى القيام بنشاط إجرامي وأعمال غير قانونية حتى يتسنى لهم سداد مبالغ تهريبهم للعصابات.
لذلك، حذرت الحكومة من هذا الأمر الذي وصفته بأنه "يترك اللاجئين تحت ضغوط الاستغلال والعبودية من تلك العصابات الإجرامي". وأشار إلى أن الحكومة تتبع سياسة تقشفية وبالتالي لا تتوسع في المشروعات وبناء المساكن وهي أنشطة عادة ما كانت علامات مميزة لنمو الاقتصاد البريطاني وتوفير فرص عمل للشباب. وعوضا من ذلك تعمد الحكومة العمالية لفرض ضرائب أعلى على الدخل، ودعم مخصصات الدعم الاجتماعي والرعاية للفئات المهمشة والعاطلين.
على صعيد علاقات بريطانيا الخارجية، لفت نظري تعليقات ملفتة وجهها البريطانيون لتأخر إجراء اتصال بين كل من رئيس الوزراء السير كير ستارمر والرئيس الاميركي دونالد ترامب بعد حفل تنصيبه. وكانت التوقعات تتجه لتكون بريطانيا في صدارة جدول مكالمات الرئيس ترامب.
البعض يدلّل على هذا التأخر بأن العلاقات ليست في أفضل حالاتها وتوهجها وبالتالي لا يمكن التعويل عليها لإصلاح الأحوال الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات. وتقول هارييت بالدوين، وزيرة الأعمال في حكومة الظل المحافظة في لقاء مع سكاي نيوز بركفست، إن المملكة المتحدة يجب أن "تعتمد" على علاقة إيجابية مع الولايات المتحدة، وحثت الحكومة على "الاعتماد" على العلاقة الودية التي تربطها بالرئيس الأمريكي ترامب فيما يتعلق بالقيام بمزيد من الأعمال والتجارة معًا، لأنها تشعر "بقلق بالغ بشأن نمو المملكة المتحدة في الوقت الحالي".
وتعليق "بالدوين" على الوضع الاقتصادي الحالي بهذه السلبية هو لسان حال المواطنين والخبراء على حد السواء فيما يتعلق بالتقشف الحكومي والضغوط التضخمية الحالية التي تضر بشدة بالنمو. ويعول البعض على الرئيس الأمريكي المنتخب لاتخاذ خطوات ليس فقط لتعزيز العلاقة الإيجابية مع الولايات المتحدة، لكن أحلامهم وطموحاتهم كبيرة ملقاة على تعاون ترامب لخلق "بيئة أفضل" للمستثمرين في المملكة المتحدة تعوض خسائر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
Comments