bah الفيسبوك... الوكيل الحصريّ للنّفاق!! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الفيسبوك... الوكيل الحصريّ للنّفاق!!

02/01/2025 - 17:42 PM

بيروت

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

خلال عقدَين من الزّمن أصبح للإنسان حياتين، الأولى اليوميّة المعتادة، والثانية قائمة على بنية رقميّة غير مألوفة، كل شيء فيها افتراضيّ، اكتشفها منذ انطلاق شبكة الفيسبوك العالمية المهولة في عام 2004، وجرفت أكثر من مليار شخص نحو عالمها. كذلك الغالبية العظمى من أبناء مجتمعنا انتموا لها، وقد باتت "ترمز" لانفتاحهم على التقنيّة الاجتماعيّة، جعلَتهم يشعُرون أنهم وضعوا أولى خطوات ارتقائهم على أول درجات سلَّم الارتقاء التكنولوجي غير المتناهي، يعتقدون أنها منحتهم لحظة إشراق معرفيّة جديدة!!

نجد علاقة الفرد مع الفيسبوك متينة جدًّا، لا يمكنننا الفصل بينهما، لدرجة أن هذه المنصّة المسمّاة "اجتماعيّة"، باتت المرشدة الشخصيّة له ولكل فرد، بحيث تعرض له تلقائيًّا المجال الذي يستهويه بالفعل، وذلك لأن الفيسبوك تتتبّع عادات الشخص، تراقب سلوك بحثه عبر جوجل عن الأمور التي تهمّه تحديدًا، فتعرضها على صفحته كنوع من الإغراء التّرويجي، كي تدفعه لشراء المنتج، بما أن معظم شبكات ومحلّات البيع لها بوابات خاصّة بها تمرر بضاعتها من خلال الفيسبوك، ناهيك عن عرضه الأخبار المنوّعة والنشاطات العامّة والشخصيّة خاصةً.

إلّا المواطن العربي لا يمكن للفيسبوك دراسة طباعه أو ميوله، لأنه ببساطة لا يمكنه توقُّع ما سينشره من تدوينات وأمور أخرى، على بنيته العالميّة، التي باتت محط أنظار ما هبّ ودبّ، لأن عادات العربي "تفُوق" تفكير القيّمين عن الفيسبوك، قد جعلهم يعجزون عن "فَهْم تفكيره"، لذلك استغلّه المواطن البسيط لنشر مجموعة كبيرة من الحالات السخيفة المعروفة للجميع، مثل وهو يأكل ويشرب في المطعم، أو يكون في رحلة ما، أو موجود في سهرة، والأفظع عندما يكون مُمدَّدًا على سرير المستشفى للعلاج...

...هذه الأمور برأيي جزء من الخصوصيّات، ولكن هذا السّاذَج "المغمور اجتماعيًّا" عمّمها، وباتت متاحة أمام العالم وليس فقط أمام أصدقائه على الفيسبوك، الذي منحه رتبة "نجم الأوحد"، ليبصموا صفحته الهزيلة ببصمات إعجابهم، وعبارات تفاعلهم التعبيري الوهميّ معه، فيغدو هذا المسكين بقصدٍ أو بغير قصد "حديث مجتمع الفيسبوك"!، فيعتقد لسذاجته أنّهم متضامنون معه، لا يعلم أن قسمًا من الأعضاء اتّخذوه وسيلة لهو مجّانيّة!!، ضمن سلسلة من وسائل الترفيه الاجتماعي الجديد.

موجِّه أحداث هذا الزمن هو موقع الفيسبوك العملاق، تمامًا كما يردّد دائمًا الرئيس ترامب كلمَتَي "عظيم" و"ضخم"، ليُطيح بالقيم العالميّة الأساسيّة، كذلك الفيسبوك ما زال يطيح بكل شيء عقلانيّ، أحيانًا يقوم باضطهاد حريّة الرّأي التي لا تلائم سياسته... كما شوَّه المعايير الإنسانيَّة المتّبعَة، يخاف البعض من الترويج لها، أو تعزيزها، لئلّا تفرض شركة الفيسبوك حظرًا على صفحته، أمّا اجترارها الدّائم لكميات كبيرة من المنشورات السخيفة، لنطّلع عليها عمدًا، هذا مسموح، وكأن الفيس طاغية العصر لا يمكن صدّه!!

جمال الكلمة، لم يعُد لها مكان في هذا المحيط المرعب الغارقين فيه، فَقَدَ التعبير الجميل الإبداعي أهميّته، المنشور الذي يحملُ رسالةً ما، غير معترف به على الفيسبوك، ورغم ذلك يرفض البعض أن يكُون خارج إجماعه، لئلّا يكُون شاذًّا سلوكيًّا، كما "يخجل" أن يقول أنّه ليس من روّاد التيسبوك... عفوًا الفيسبوك، فهذه تعتبَر "وصمة عار" على جبين الشخص غير المستحدث ذهنيًّا!!

لا ننكر أن الإنترنت أصبح عالمًا خطيرًا جدًّا، يجدر بنا اتّخاذ الحيطة من قدرته على سرقة انتباه الجميع عن غير وعي، كذلك الفيسبوك أصبحَ منبرًا للتحريض والتنمُّر على شخصيات عامّة أو معروفة محليًّا... حظرته بعض الدول العربية، لأنها اعتبرته "خلية سريَّة قمعيّة" للانقلاب على أنظمتها، كما حصل أثناء الربيع العربي... عفوًا الشتاء العربي الدّموي، يعني الفيسبوك قائد أركان المنصّات الاجتماعيّة، ما زال يثير هلع بعض الدول العربيّة، لأنه يشعل شرارة حريّة تعبير الشعوب العربيّة عن همومها وأوجاعها المعيشيّة.

مع مرور السنين روّاد الفيسبوك من الطبقة الأدبيّة السّامية! خلقوا تمييزًا في تعاملهم مع بقيّة الزّملاء الكتّاب ذوي الصّفحات الأدبيّة الجميلة، إذ أجدهم ينحازون لأسياد الكلمة في كل شيء يكتبونه، حتّى لو كتبوا أمورًا عبثيّة، على اعتبار أن تعابيرهم مشوِّقة!!، فيها نكهة جماليّة معيّنة، لا يمكن "مقاومتها"، مع أنها بنظر الكثيرين عاديّة جدًّا، غير مؤثِّرة.

الفيسبوك عبارة عن صالة عرض اجتماعيَّة ضخمة، تَعْرِض مسرحيات استعراضية غير مسبوقة، مضيئة بالأكاذيب والتهريج... كذلك التملُّق أصبح ظاهرة رائجة جدًّا، يستغلّها البعض ليُغطّي على شعوره الحقيقي تجاه الآخر، فيجعله يشعر أن منسوب الإعجاب يرتفع لصالحه، مع أن معظم ما يُنشر من "محبّة عارمة"، هو مجرّد خداع بصري لا أكثر ولا أقل، وكأننا نشاهد فيلمًا خياليًّا اجتماعيًّا، يعتمد على المؤثرات الكلاميّة، هكذا بات الفيسبوك الشّهير، أضخم مُجمعٍ بشريٍّ للنّفاق الأخلاقي، للتّغطية على سيئات الآخرين.

هناك أشخاص ينشرون صورهم الشخصية بشكل مُبالَغٍ به من خلال صفحتهم على الفيسبوك، هذا أمر غير معقول، مملٌّ جدًّا، لأن الإسراف في "تأليه الذات"، قد يكون نابعًا من عدم ثقتهم بنفسهم، كأنهم يريدون إثبات وجودهم بأي شكل. أتقن مجتمعنا فن التعامل مع جميع إحداثيّات هذه المنصّة، تأقلم معها كليًّا، باتت رفيقته الأمثل، الحاضرة للظهور أمام عينيه في كل لحظة، بمجرّد أن يلمس إصبعه شاشة هاتفه الذّكي، فتفتح له تطبيق الفيسبوك، هذا المتصفّح المجتمعي، الذي حوَّله كل واحد إلى وكالة أنباء خاصّة به، أحيانًا مُفبرَكَة!!

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment