بقلم: المستشارة والكاتبة / غدير عبدالله الطيار
حقيقة الفراق صعبة وفقد الأحبة مؤلم يكاد يفتك بالقلوب، ولكن ما نقول إلا أن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا الأحبة لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. الحمد لله على قضائه وقدره.
فقدت السعودية رمزًا من رموز الوطن وفقيدًا غاليًا، ابن الملك فهد رحمه الله، إنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، الذي فقده الصغير والكبير. عمّ الحزن السعودية يوم الأربعاء وتم دفنه في مقبرة العود بجوار أبيه وأعمامه. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
الأمير محمد بن فهد هو الابن الثاني للملك فهد بن عبدالعزيز، ووجه بارز من الجيل الثاني من الأسرة المالكة. ولد في مدينة الرياض، ونهل من مدرسة والده الملك فهد بن عبدالعزيز، التي هي امتداد لمدرسة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. اكتسب من الصفات والقدرات ما أهّله لتحمل المسؤولية عند أعلى مستوياتها.
رأيت الجموع في جنازته، الجميع مفجوع، ورأيت ولي عهدنا العزيز في مقدمة المصلين، في روحه وعطفه وقربه. أثار شجوني قربه من أبناء الفقيد وتعزيته لهم، إنه الأب الروحي للجميع. شكرًا لك يا ولي العهد على هذا التميز والعطاء الدائم.
رأيت أخا المرحوم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد، وتلك العيون الباكية الحزينة، والفراق الذي ألمه يكاد يمزقه. عيون الأسى والحزن ظاهرة على محياه. لقد كان صابرًا محتسبًا، مستقبلا جميع المعزين. وما أتعبني حقًا رؤيتي لابن الفقيد الأمير تركي بن محمد بن فهد، حيث النظرات والشحوب وكأنه في عالم آخر، لا يصدق ما حدث.
صورة الأمير تركي بن محمد بن فهد أثارت شجوني وأحسستني بالفراق وألمه. فراق الأب مؤلم، ولا سيما إذا كان الأب هو الأمير محمد بن فهد صاحب الابتسامة الجميلة والأيادي المعطاءة. كأنك تقول ونقول معك يمزقني البعد والفراق، يقتلني الحنين، أحنّ إلى الأمس البعيد، أحن إلى الماضي الذي لن يعود، أشتاق لكلمة منه لنظرة أو ابتسامة، ولكن الزمن يحرمني حلاوة اللقاء ونداوة رؤياه.
قد رحلت يا أبي وكأنك لم ترحل. أشعر بأني أراك في كل زاوية من زوايا البيت، تناديني وأسمعك بكل حواسي، أستمتع بضحكاتك، تمتماتك التي كنت تخافت إلي بها، ولا أعلم ما الذي كنت تعنيه، ولكن كنت أستمتع بقرب أذني من شفتيك، وأنا أحتضن دفء أنفاسك. هكذا كان كلامي عن أبي فقيدي. نعم الفقد مُتعب والشوق أمر، ولكن قضاء الله وقدره. نعم، رحيل الأب حقيقة كسر لا يشعر به إلا من عاناه، تتوالى بعده مصائب الحنين والاشتياق والحزن والألم. فراق أبي خلق بداخلي فراغا لا يسد.
رحل سموه وقد زرع في أبنائه الكرم والجود والأخلاق الحسنة، وتفقد الآخرين، والصلة والرحمة. كان محبًا للخير، كريمًا سخيًا، باسم الوجه للجميع. ضجت السعودية بخبر وفاته، فهنيئًا لك يا محمد بن فهد على ما حظيت به من سمعة وأثر طيب يُحكى.
نقول لك يا نجل محمد، ما أصابك أصابنا، وما حزنك إلا حزننا. لن أنسى والدك وهو الإنسان العطوف الكريم. رأيته مرة وأشاد بي وبمهنتي.
إلى جنات النعيم يا نجل الفهد. أسأل الله أن يجبر كسرك أنت وإخوانك، ويلهمكم الصبر والسلوان. أمر الله والحمد لله على كل حال.
رحمه الله، ويكفي أنه ممن ذاع صيته، وللفقيد جهود عدة في تعزيز العمل الإنساني، ومساعدة الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى، ليس في المملكة فحسب، وإنما على مستوى العالم العربي، وذلك من خلال مؤسسة الأمير محمد للتنمية الإنسانية، التي تولى فيها منصب المؤسس ورئيس مجلس الأمناء. رحمك الله.
ختامًا، نعزي قيادتنا الرشيدة، وعزاؤنا لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولسمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظهم الله، وإلى كافة أفراد الأسرة المالكة الكريمة. ونعزي أنفسنا ونعزي الوطن على هذا الفقد الأليم والموجع.
Comments