رامز الحمصي
في خضمّ التحولات الإقليمية والدولية التي يشهدها الشرق الأوسط، تُشكّل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية حدثًا مفصليًا يحمل في طياته دلالات استراتيجية عميقة، لا سيما في ضوء سقوط نظام بشار الأسد وتغير معالم النظام السياسي في سوريا. إذ تُعدّ هذه الزيارة أول خطوة رسمية تتخذها دمشق منذ انطلاقة مرحلة جديدة، وتتزامن مع مساعي السعودية لتأكيد دورها الريادي في إعادة صياغة التوازن السياسي في العالم العربي والإسلامي.
من منظور جيوسياسي، ترتكز الزيارة على عدة محاور استراتيجية تستحق الوقوف عندها. أولاً، تُعدّ الدعوة السعودية لاستقبال الرئيس الشرع إشارة واضحة إلى استعداد الرياض لتقديم دعم سياسي واقتصادي من أجل إعادة بناء دولة سورية قادرة على لعب دور فاعل في موازين القوى الإقليمية. فالسعودية، التي لطالما اعتُبرت ركيزة في التحالفات العربية، تسعى اليوم إلى ضمان استقرار حدودها الإقليمية من خلال تعزيز نفوذها في قلب الأزمة السورية. ومن هنا، تنطلق قراءة التحالفات الجديدة التي تتسم بها السياسة الإقليمية، حيث يتحول التضامن العربي إلى أداة عملية لإعادة رسم خريطة النفوذ بين القوى الكبرى.
ثانيًا، تبرز زيارة الرئيس الشرع كخطوة استراتيجية لإعادة شرعية النظام السوري، إذ يُنظر إليها بمثابة محاولة لبناء جسر تواصل مع المجتمع الدولي والدول العربية، خصوصًا في ظل الابتعاد عن السياسات السابقة التي أدت إلى عزلة دمشق. هنا، يُمكننا اعتبار الزيارة بمثابة "دبلوماسية الاستدراك" التي تهدف إلى استمالة الأطراف الإقليمية والعالمية، من خلال تبني لغة مصالحة وبناء تحالفات جديدة تقوم على أسس من التعاون المشترك ومواجهة التحديات المشتركة مثل التطرف والتدخلات الخارجية.
من جهة أخرى، يحمل التغيير السياسي في سوريا، الذي تضمن سقوط نظام بشار الأسد، انعكاسات عميقة على المعادلات السياسية الداخلية. فالانتقال إلى نظام جديد يستلزم إعادة ترتيب الأولويات الوطنية، واستقطاب القوى السياسية التي يمكن أن تساهم في رسم مستقبل وطني أكثر شمولاً وتمثيلاً للفئات المختلفة في المجتمع السوري. وفي هذا السياق، تُعدّ زيارة الشرع إلى الرياض خطوة رمزية لتأكيد أن التغيير السياسي الجديد يسعى لإحداث نوع من الانفتاح السياسي، مع الحفاظ على توازن القوى داخليًا وخارجيًا.
ولا يمكن إغفال الأبعاد الرمزية والدبلوماسية لهذه الزيارة، إذ تُمثل فرصة لتطبيق ما يُعرف بـ"الدبلوماسية العملية"؛ تلك التي تتجاوز الكلمات والبيانات الرسمية لتنعكس في خطوات ملموسة تُعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة. فبينما يسعى الرئيس الشرع إلى تجسيد صورة التجديد والانسجام مع القوى الإقليمية الكبرى، تعتبر السعودية الزيارة بمثابة اختبار لمدى جدية دمشق في تبني سياسات إصلاحية تضمن استقرارها في بيئة دولية متقلبة.
ختامًا، تُبرز زيارة الرئيس السوري إلى السعودية بعد سقوط نظام بشار الأسد بعدسة سياسية متطورة رؤية مستقبلية ترتكز على مفاهيم التوازن الإقليمي والتحالفات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة. وفي عالم تسوده مفارقات جيوسياسية معقدة، ستظل هذه الزيارة بمثابة نقطة انطلاق لتشكيل مرحلة جديدة في العلاقات العربية الإسلامية، تتسم بالتسامح السياسي والمرونة الدبلوماسية، مما يفتح آفاقًا لإعادة بناء الثقة بين اللاعبين الإقليميين واستعادة دور سوريا كعنصر فاعل في المشهد السياسي العربي الحديث.
Comments