السفير د. هشام حمدان
نحيي اندفاعة أهل الجنوب للعودة إلى أراضيهم وبيوتهم. ونتمنى أن تتم وفقا لتعليمات الجيش اللبناني وبخطوات خارج الغوغائية الحزبية واعلام الاحزاب.
وصف وزير الخارجية الأسبق السفير د. عدنان منصور أهل الجنوب بالإسطورة. ونحن وصفناهم دائما بالضحية. أهل ما يسمّى مقاومة يرونهم أسطورة بصمودهم. ونحن نرى أنّهم ضحية الغوغائية لهذه المقاومة. وفي الواقع، وبعيدا عن مفهومي الصمود والضحية، نتساءل من يمسك مصير أهل الجنوب؟
يشتم أهل ما يسمّى مقاومة، ألولايات المتحدة بسبب موقفها إلى جانب إسرائيل. نحن نرفض النظر إلى موقف الولايات المتحدة من منطلق إيديولوجي مطلق، ونعتقد أنه لن يمكن لنا أن ننظر بموضوعية إلى علاقاتنا مع أميركا وغيرها من دول العالم الخارجي، ما لم ننظر بموضوعية إلى واقع الصراع، والحرب التي عاشها وخضع لها أهل الجنوب.
كان أهل الجنوب خزان الاحزاب اليسارية، حيث دافعوا أواخر الستينيات وخلال السبعينيات عن المقاومة الفلسطينية بفكر ايديولوجي يساري. جاء سماحة السيد الصدر وأعادهم إلى الوطن فتنبهوا إلى أنهم الوقود والضحية في صراع إقليمي ودولي وأنهم يدفعون الأثمان الباهظة من أجل أمر لا قدرة لهم على التقرير بشأنه. تحولوا الى مواجهة المقاومة بهدف فرض احترام سيادة البلاد ووقف استباحته.
جاءهم المستعمر حافظ الأسد ومعه كل مخططاته الإقليمية والدّولية. دعم هو وليبيا ثورة الخميني في ايران، فاختفى سماحة السيد، وأمسكت بحركة المحرومين بعده، قيادة جاءت من محطات البنزين في أميركا والألماس في إفريقيا. والتزمت وجهة الأسد الذي باع الجولان، والوحدة مع العراق، ووقف مع الخميني ضد بلاد الرافدين، وساهم في إقامة الحزب الذي يناطح أهل الصدر، ويروج للفكر الخميني الطائفي المذهبي وولاية الفقيه، والذي سعى للقضاء على استقلالية الفلسطينيين، ورفع شعار فلسطين جزء من سورية.
مرّة اخرى تحول اهل الجنوب ضحية لـ "مقاومة" من نوع آخر: المقاومة القومية الإسلامية الشاملة الخاضعة لفكر الأسد والخميني. أصبحت فلسطين كقميص عثمان ترفع بهدف إثارة المشاعر ولكن بغرض تكريس السلطة. ألمقاومة الفلسطينية كان هدفها استعادة فلسطين. أما الاسد والخميني فكان هدفهما جعل الجنوب اداة ضغط لخدمة مصالحهما الاقليمية والدولية.
كم مرة دمر الجنوب لخدمة الاسد والخميني فاعاد العرب بناءه. ورغم ذلك يستمر البعض بصراخ شيعة شيعة في رسالة واضحة مفادها أن هويتهم أولا هي الإنتماء الطائفي الشيعي وهذا الإنتماء يغلب اعتبارات الهوية الوطنية ويكرس مشاعرهم بمواجهة أهل السنة العرب، ودعاة السيادة في لبنان.
يعود هذا الجنوبي إلى أراضيه المحروقة وبيوته التي تحولت إلى ركام. هذه العودة تثلج قلوب اللبنانيين وتفرح كل سيادي متمسك بكل شبر من تراب وطنه لكننا نرفض رفضا قاطعا أن يشعر إبن الجنوب أن عودته هو ثمرة صموده كما يريد أهل المقاومة إقناعه. لا بد من أن نشكر الدول الصديقة وبينها الولايات المتّحدة ألتي استطاعت أن تفرض اتّفاقا يستند إلى مبدأ استعادة لبنان سيادته المطلوبة منذ عشرات السنوات، ويضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي تحتلها في الجنوب. فهذا الإتفاق هو الذي أفسح أمام أهل الجنوب طريق العودة.
يحاول أهل ما يسمى مقاومة تفسير موقفنا بأنه إلتحاق بالأميركي او غيره. موقفنا يستند إلى المعيار الثابت في اتفاق وقف النار والذي يفرض بوضوح بسط سلطة الدولة والجيش فقط، على كامل تراب الجنوب ولبنان. هذا شرط لا يعكس مؤامرة أميركية إسرائيلية بل يعكس ثمرة لموقف السياديين الثابت بشان مبدأ إستعادة الدولة وحقها الحصري بقرار السلم والحرب. كما يعكس تصميما على مواجهة التحدي الأكبر لنا نحن اللبنانيون فيما إذا كنا نريد فعلا الحفاظ على وطننا بلدا سيدا حرا ومستقلا.
يذكّرنا هذا الاتفاق باتفاق ١٧ أيار خلال الثمانينيات. كان لبنان سيحصل على انسحاب إسرائيلي من دون فرض اتفاق سلام معها كما حصل مع دول عربية أخرى. كان الاتفاق يشترط تحرير لبنان من الاحتلال السوري أيضا، فجاءتنا في حينه أدوات الاسد لتعييبه بغية إسقاطه إرضاء للمعلم القابع في دمشق، ولو أدى ذلك إلى حرب الجبل الدموية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وقد قال السوفيات في حينه إلى الوزير الوطني ايلي سالم أنهم يعتبرن الإتفاق أفضل ما حصل عليه العرب في حروبهم مع إسرائيل لأنه لا يشترط السلام بين البلدين. ولكنهم أبلغوه صراحة معارضتهم له لأسباب الصراع مع أميركا. اثبت ذلك الموقف ان موضوع حقوق الشعوب عند ما يسمى "المناضلون ضد الإمبريالية"، ليس سوى قميص عثمان آخر، وأن لبنان ليس سوى ساحة لصراع الآخرين، وأن أهله ليسوا سوى بيادق في خدمة مصالح الآخرين.
نحن نثق أن أهلنا في الجنوب سيستفيقون إلى هذا الواقع، فيعيدوا بوصلة توجههم نحو لبنان فنستعيد معهم بلدنا ونستعيد معهم بعضنا البعض. هناك فرصة تجلّت في انتخاب الرئيس جوزاف عون وفي تسمية الرئيس سلام لرئاسة الحكومة. إلا أن مسالة العودة واستعادة بناء الجنوب صارتا جزءا من عملية تشكيل الوزارة. ويل إذا جاءت حكومة مشابهة لحكومة حسان دياب.
Comments