بقلم الدكتور لويس حبيقة
الصراع الذي شهدناه سابقا حول موازنة 2025 يعود الى ندرة الخيارات المتوافرة لمعالجة الأوضاع الحالية المتعثرة حيث تكلفة الاعمار ستكون كبيرة وستأخذ قسما مهما من قدرات الدولة. تعود حدة الصراع الى عدم معالجة الأوضاع المالية الصعبة المتراكمة منذ أكثر من عقدين من الزمن.
تفاقم الصراع الاجتماعي مؤخرا بسبب انهيار الليرة وتعثر المصارف وغياب المعالجات المقنعة التي يلتزم بها الجميع. تعمق الصراع بسبب الفراغات في المراكز السياسية والادارية الأهم في الدولة. يعود الصراع أيضا الى الشلل الحكومي والتعثر النيابي والخلل الدستوري الممزوج بالطائفية والمذهبية والمناطقية.
تحضير الموازنة مهم في كل الظروف والأوقات، لكنه أكثر أهمية في بداية عهد ومع حكومة جديدة وذلك لوضع الأهداف والبرامج بدقة ولدراسة كيفية تمويلها ليس فقط خلال سنة بل عمليا خلال 6 سنوات عبر 6 موازنات متتالية. الموازنات هي حتما دقيقة جدا خاصة بعد حرب شرسة ومؤلمة ومع تردي واضح للأوضاع الاجتماعية والسياسية بالتزامن مع بدء عمل ادارة أميركية جديدة تواجه حلفائها وخصومها في كل الاتجاهات.
لا يمكن الخروج من الوضع الحالي الا عبر موازنات ترتكز على تحصيل كامل للايرادات وترشيد جدي للانفاق، الاثنان صعبان في هذه الظروف اذ أن الايرادات لن تكون عالية وتحصيلها لن يكون سهلا. أما من ناحية الانفاق، فالحاجات العامة تتطلب انفاقًا كبيرًا ليس فقط على الاعمار بل لمساعدة اللبنانيين على تأمين حاجاتهم الاجتماعية والصحية والتعليمية.
تعكس الموازنة قدرات الدولة على تسيير أمورها، لكن في نفس الوقت تستطيع توجيه الاقتصاد نحو أهداف معينة اقتصادية واجتماعية. من الممكن مثلا لأي موازنة أن تساهم في تخفيف فجوة الثروة والدخل عبر أنظمة ضرائبية وانفاق مدروسين. من الممكن وضع رسوم عالية على بعض الممنوعات ترفع الايرادات العامة وتصب في مصلحة صحة المواطن. هنالك بنود في الموازنة تهدف أيضا الى التخفيف من التضخم أو الى تحفيز النمو وغيرهما. قانون الموازنة مهم جدا ويؤثر شرط أن تكون الموازنة واقعية في أرقامها وفي سياساتها الهادفة الى تحقيق الخير العام.
لن تكون الموازنة حقيقية بمعنى أنها تعكس أوضاع الدولة والمواطن الا بعد الاستقرار السياسي وعودة المؤسسات الى عملها وهذا سيأخذ وقتا ليس قصيرا. في أهم دولة في العالم، لو حصلت فراغات وصراعات بين السلطات وفي المجتمع كالتي نعيشها في لبنان لسقطت تلك الدول على رؤوس سكانها.
في أي موازنة ومنطقيا، يجب أن يعتمد سعر صرف واحد لليرة تجاه الدولار أي في كل الايرادات والانفاق حتى تكون الحكومة شفافة أمام الرأي العام. من الأفضل اعتماد سعر صرف السوق الناتج عن العرض والطلب. الصراع السياسي الشعبي حول الموازنة هو أيضا ممزوج بالعلاقات التي يغلب عليها الفساد المنتشر في القطاعين العام والخاص. دخل الفساد في الثقافة الوطنية وما يجري من فوق مقبول أيضا من الأسفل، مما يجعل من أي محاولات حتى صادقة لضرب الفساد صعبة جدًا.
Comments