السفير د. هشام حمدان
قامت مبعوثة الولايات المتّحدة إلى الشّرق الأوسط مورغان أورتاغوس، بزيارة أولى الى المنطقة. كانت محطّتها الأولى في بيروت. وهذا له دلالة خاصّة جدّا سواء على ضوء تصريحات الرّئيس ترامب بشأن لبنان، أو على ضوء زيارة نتنياهو إلى واشنطن، ومواقف الرّئيس الأميركي التّصعيديّة المثيرة للجدل بشأن غزّة، ورؤيته بشأن الشّرق الأوسط.
لا نعلم إذا كانت السّلطات اللّبنانيّة تقرأ التّحوّلات الجارية بدقّة. فما جاء في تعليق القصر الجمهوري على بعض ما ورد في تصريح أورتاغوس، له أكثر من وجه. نحن نرى فيه الوجه الذي يخدم موقف العهد المعلن في خطاب القسم، بالنّسبة لتاكيد حياد لبنان من موضوع الصّراعات في المنطقة، وخاصّة الصّراع الجاري بين إسرائيل وإيران، وكي لا يكون لبنان مرّة أخرى، ساحة لتطوّرات الصّراع الإيراني الأميركي الإسرائيلي، الذي تلوح معالمه العسكريّة بقوّة، في الأفق.
وعلى الرّغم من هذا الموقف الدّبلوماسي للرّئاسة اللّبنانيّة، إلّا أنّه يجب عدم تجاهل مضمون الكلام الذي أكّدته المبعوثة الأميركيّة. فالتّفاعل مع هذا الموقف، لا يحمل ترف الوسطيّة. لبنان جزء من الشّرق الأوسط الذي يتمّ تأسيسه بخطوات متسارعة وحاسمة. ويجب تحديد موقف يضمن أن لا يعود لبنان نقطة الضّعف في المنطقة. ثمّة ضربة قادمة لا محالة للبنى النّوويّة الإيرانيّة. لاشكّ أنّ إيران ستسعى إلى تفاديها، لكن من غير المتوقّع أن يتم التّجاوب مع تلك المساعي، فتدمير القدرات النّوويّة الإيرانيّة أصبح جزءا من استراتيجيّة أميركيّة إسرائيليّة مشتركة.
وعليه، يجب أن تتّخذ السّلطة السّياسيّة موقفا يضمن أولا، فرصة استعادة السّيادة الكاملة للبنان على كلّ ترابه الوطني. وهذا الأمر يعني بوضوح لا لبس فيه، نزع سلاح الميليشيات، كلّ الميليشيات، وخاصّة ميليشيا الثّنائي الحزبي وحلفائهما. هذا السّلاح هو أخطر ما يدمّر مبدأ حياديّة لبنان وسيادته، ومستقبل بناء السّلام والإستقرار والتّنمية فيه. لا بناء للسّلام في لبنان بوجود قوّة ترهب اللّبنانيّين في الدّاخل سواء عبر استعراضات الدّرّاجات، أو عبر القمصان السّوداء.
وقد بيّنت هذه الزّيارة رغبة أميركيّة واضحة في إعادة السّلام إلى لبنان. مواقف الرّئيس ترامب نحو لبنان هي أهمّ تحوّل شهده الموقف الأميركي إزاء وطننا منذ عقود. يجب الإمساك بهذا التّحوّل بقوّة. صحيح أنّ ما يسمى حزب الله يعيش في بيئة لبنانيّة، لكنّه صنيعة ايران، وذراعها المطلق فيه. بل الذّراع الأبرز في المنطقة. ويجب التّعامل معه على هذا الأساس إلى أن يبدّل في رسالته، ويعود إلى لبنانيّته، ويلتزم الدّستور الوطني.
لقد رفضنا مشاركة هذا الحزب في الحكومة، لكنّ السّلطة ترى فيه وجها مذهبيّا وليس مقاوما، وترى أنّه يمكن استكمال انهاء دوره المقاوم ولو كان موجودا في الحكومة. وهذا أمر لا يجب التّغاضي عنه. وسنرى ما سيكون عليه البيان الوزاري. موقفنا ثابت للأسباب التي تضمن حياديّة لبنان بشأن تطوّرات المنطقة. بين إرضاء بيئة الحزب وإرضاء الأميركيين، هناك أولا مصلحة لبنان ومستقبله. سيكون من الخطأ جدّا تجاهل التّوجّه الأميركي الجديد نحو لبنان، وتحويله إلى موقف سلبي من أجل إرضاء بيئة الحزب. يمكن للجنوب أن يكون هو ريفييرا الشّرق وليس غزة، إذا أحسن لبنان التّفاعل مع توجّه الرّئيس ترامب الودي نحوه. فالرّئيس ترامب يواجه مواقف انتقاديّة بشأن تصريحاته حول غزّة، لكنّ تصريحاته بشأن الشّرق الأوسط هي استراتيجيّة يمسك بها العرب ألسّعداء جدّا بتصريحاته حول إيران وميليشياتها، أو أذرعها في المنطقة.
وفي هذا السّياق، نعود فنكرّر أنّ الوعد بإعادة بناء الجنوب على حساب الخزينة اللّبنانيّة، والمساعدات الخليجيّة، أمر يشكّل خيانة للضمير الوطني، ومصلحة الأجيال الطّالعة. يجب المطالبة بالتّعويض عن الدّمار من مسبّب الدّمار أي إيران. أمّا التّعاون مع صندوق النّقد الدّولي، والمساعدات العربيّة، فيجب أن يتوجّه لإنماء لبنان كإقامة البنى التّحتيّة للطّاقة والماء، والطّرقات، وإصلاح البيئة، وللصّرف الصّحي، والإصلاح الإداري والمالي وغيرها. سنجد أميركا والعالم إلى جانبنا في هذه الخطوات، كما أنّ بيئة الحزب ستجد المعين للإنخراط في مسيرة التّطوّر والتّقدّم، ووقف دفع فاتورة علاقات إيران وسياساتها الخارجيّة.
أهل الجنوب والبقاع والضّاحية بحاجة لمن يساعدهم بالتّخلّص من سلطان الذين عبثوا بواقعهم طويلا، لمصلحة الولي الفقيه.
Comments