الاعلامي كريم حداد
شهد لبنان تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، حيث أقدم عناصر من حزب الله على قطع الطريق المؤدية إلى مطار رفيق الحريري الدولي وإحرق آلية تابعة لقوات اليونيفيل، في خطوة تهدد بشلّ حركة الملاحة الجوية وعزل البلاد عن العالم. يأتي هذا التحرك وسط أزمة سياسية وأمنية متفاقمة، ما يعكس هشاشة الوضع الداخلي، ويضع لبنان على حافة المزيد من الفوضى والانهيار.
تشهد مناطق عدة اخرى، لا سيما محيط مطار رفيق الحريري الدولي، احتجاجات تتخللها أعمال شغب، من التعرض لعناصر الجيش اللبناني إلى مهاجمة آليات اليونيفيل ومحاولات متكررة لإغلاق طريق المطار. في هذا السياق، حذّرت قيادة الجيش من خطورة هذه الممارسات التي قد تؤدي إلى توترات داخلية لا تُحمد عقباها، مؤكدةً أن الوحدات العسكرية مستمرة في تنفيذ مهماتها لحفظ الأمن وستتحرك بحزم لمنع أي تهديد للسلم الأهلي وتوقيف المخلين بالأمن.
تحدٍ مباشر لسلطة الدولة
هذا الاعتداء المرفوض ليس مجرد عمل تخريبي، بل انتهاك صارخ لسيادة الدولة وتهديد مباشر للأمن الوطني. فمن غير المقبول أن يتحول المطار، باعتباره مرفقًا حيويًا واستراتيجيًا، إلى ورقة ضغط سياسية أو ساحة لتصفية الحسابات الداخلية. وأي محاولة لتعطيله تعني المزيد من العزلة الدولية للبنانيين، وتفاقم أزماتهم الاقتصادية والمعيشية في وقت هم بأمسّ الحاجة إلى الاستقرار.
ما وراء التصعيد: محاولة لفرض واقع سياسي جديد
ما يجري اليوم لا يمكن اختزاله كردّ فعل على منع طائرة من الهبوط، بل يبدو أقرب إلى محاولة واضحة لفرض واقع سياسي جديد وعرقلة الاستحقاقات الدستورية التي أُنجزت، وعلى رأسها تشكيل الحكومة الجديدة. كما يأتي في سياق الضغوط المتزايدة على البيان الوزاري المرتقب، والذي ينبغي أن يكون أولوية في هذه المرحلة الدقيقة.
يُفترض أن يرسّخ هذا البيان سيادة الدولة، ويحدد مسارات واضحة لمكافحة الفساد، تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وضمان استقلالية القضاء. كما يجب أن يضع آليات دقيقة لضبط المالية العامة، إقرار الموازنة، وإجراء الانتخابات البلدية. أما على المستوى السيادي، فمن الضروري أن يلتزم بتطبيق القرار 1701، لا سيما فيما يتعلق بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية واحترام السيادة الوطنية.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فيتوجب أن يعكس البيان سياسة خارجية متوازنة تحافظ على علاقات لبنان الدولية وتحميه من التورط في النزاعات الإقليمية، في وقت تتسارع فيه المتغيرات الجيوسياسية.
الوزراء أمام اختبار مصيري
في ظل هذا التصعيد، لم يعد مقبولًا أن يلتزم الوزراء المحسوبون على الثنائي الشيعي الصمت أو موقف المتفرّج. بات لزامًا عليهم اتخاذ موقف واضح: إما الاستقالة، أو المشاركة الجادة في فرض سيادة الدولة ومنع البلاد من الانزلاق نحو الفوضى. المرحلة الراهنة لا تحتمل المواقف الرمادية أو الحسابات الضيقة، بل تتطلب قرارات حازمة تنسجم مع المصلحة الوطنية العليا.
الدولة أمام مسؤولياتها: لا مجال للصمت
إن استمرار الصمت الرسمي تجاه هذه التطورات يعزّز منطق الفوضى، ويكرّس واقعًا خطيرًا يجعل الميليشيات أقوى من الدولة، وهو ما لم يعد مقبولًا. وعليه، تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات الدستورية والأمنية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، رئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لاتخاذ إجراءات فورية وحاسمة تضع حدًا لهذا الانفلات، من خلال توقيف الفاعلين وإحالتهم إلى العدالة، حفاظًا على هيبة الدولة وحقوق اللبنانيين.
لا خيار سوى فرض سيادة الدولة
إن فرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية لم يعد مجرد مطلب، بل بات ضرورة وجودية للحفاظ على ما تبقى من استقرار البلاد. فلا يمكن للبنان أن يبقى رهينة قوى خارجة عن القانون تفرض إرادتها بالسلاح، فيما يدفع المواطنون الثمن من أمنهم ومعيشتهم ومستقبلهم. المرحلة تتطلب موقفًا واضحًا وخطوات حاسمة تعيد للدولة هيبتها، وتضع حدًا للعبث بأمن اللبنانيين واستقرارهم.
Comments