|
الاعلامي كريم حداد
في مشهد سياسي غير مسبوق، تجسد المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دورًا محوريًا على الساحة الدولية، حيث أصبحت وسيطًا رئيسيًا في واحدة من أعقد الأزمات العالمية: الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل الحرب الأوكرانية. هذه الخطوة ليست مجرد مبادرة عابرة، بل هي امتداد لنهج سعودي جديد قائم على تفعيل القوة الدبلوماسية وإعادة تموضع المملكة كلاعب أساسي في حل النزاعات الإقليمية والدولية.
لقد اعتاد العالم العربي أن يكون ساحةً للصراعات التي تزرعها قوى دولية، لكن السعودية اليوم تعكس نموذجًا مغايرًا، حيث تتبنى دور الدولة التي تجمع الفرقاء بدلًا من أن تكون ساحة لصراعهم. فبجهودها المستمرة، استطاعت المملكة أن ترسخ نفسها كجسر تواصل بين القوى الكبرى، واضعةً الاستقرار الإقليمي والدولي في صلب استراتيجيتها.
وفي تأكيد جديد على مكانتها كوسيط دبلوماسي فاعل، استضافت السعودية محادثات أميركية – روسية تمهيدًا للقاء مرتقب بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، في خطوة تعكس ثقة المجتمع الدولي بقدرتها على تقريب وجهات النظر بين القوتين العظميين. هذه الاستضافة لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة سياسة مدروسة انتهجتها المملكة، تقوم على الحوار والانفتاح، مما جعلها لاعبًا أساسيًا في إعادة تشكيل المشهد السياسي العالمي.
لا يقتصر الدور السعودي على المصالحة بين واشنطن وموسكو، بل يتعداه إلى سعيٍ حثيث لإنهاء الحروب الممتدة في الشرق الأوسط، بدءًا من اليمن، ومرورًا بالقضية الفلسطينية، وصولًا إلى التحديات التي تواجه لبنان وسوريا والعراق. ولعل الرؤية التي يقودها ولي العهد، والتي تعتمد على سياسة خارجية متوازنة، تعكس حرص المملكة على تعزيز مكانتها كقوة مؤثرة، ليس فقط في المجال الاقتصادي، بل أيضًا في هندسة الحلول السياسية.
هذه التحركات تعكس واقعًا جديدًا: السعودية ليست مجرد قوة إقليمية، بل أصبحت شريكًا دوليًا في صياغة مستقبل النظام العالمي. وإذا نجحت في تقريب وجهات النظر بين أميركا وروسيا، فقد تكون هذه بداية حقبة جديدة يكون للعرب فيها صوتٌ أقوى على طاولة صنع القرار الدولي.
Comments