لندن - ألفة السلامي
كبار السن وتقديم الرعاية الكافية والحماية المطلوبة لهم قضية تحتل صدارة اهتمامات الحكومات الغربية خاصة في ضوء زيادة عددهم في هذه المجتمعات. وهذا الموضوع يهم العرب أيضا لأنها تعد فرص للموارد البشرية الشابة للهجرة إلى تلك المجتمعات، مع فرص أكبر للعاملين في المجال الطبي وتقديم الرعاية لكبار السن.
أحاديث البريطانيين تعكس هذا القلق تجاه أزمات مركبة خاصة بقضية الحماية والرعاية الاجتماعية، لكن أكثر ما يقلق البعض ما ينتظرهم في المستقبل من مشكلات صحية مرتبطة بالشيخوخة. يتضح ذلك في الاحصائيات بهذا الخصوص التي تشير إلى إن متوسط عدد الأسرّة في المملكة المتحدة هو 2.4 فقط لكل ألف ساكن، بينما متوسط عدد الأسرّة في دول الاتحاد الأوروبي التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو 4.6 سرير لكل ألف فرد.
هذا الفارق يقترب إلى الضعف لصالح المواطن الأوروبي. وقد تفاقمت الضغوط الخاصة بملف الشيخوخة في ضوء حقيقة أن هناك 18.6 % من السكان تجاوزت أعمارهم 65 عاما وهناك نسبة أكبر تصل لـ 30% تجاوزت أعمارهم 50 عاما. ومن المعروف أن بريطانيا توصف حاليا بالدولة العجوز؛ وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، شهد العقد الماضي زيادة في كبار السن بنسبة 6.3 ٪ في كل من إنجلترا وويلز، ويعتمد كبار السن على مقدمي الرعاية للمساعدة في تلبية احتياجاتهم اليومية، بما في ذلك إدخال من لا يستطيعون الحركة إلى السرير والنهوض منه باستخدام الرافعة، والنظافة الشخصية، وإعداد وجبات الطعام وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المتقدمون في السن والمصابون بإعاقات وصعوبات الحركة.
لذلك، أكثر الأخبار المؤلمة التي تهز المجتمع وتصيب كبار السن بشكل خاصه بالصدمة هي تلك المتعلقة بصدور قرار هنا أو هناك من مجالس محلية بإلغاء الرعاية الاجتماعية أو تقليل الدعم المقدم لذوي الإعاقة وكبار السن. هذه القرارات تعود غالبيتها لقلة موازنة المجالس المحلية الآن ولكنها تثير غضبًا اجتماعيًا غير محدود، في مجتمع يبدي حرصًا على قيمه ومبادئه الأخلاقية.
الحكومة العمالية تسعى لزيادة الدعم المقدم لهذه الفئات والذي لا غنى عنه لاستمرار حياتهم! لكن الموازنة الحالية 2025 التي تعاني عجزا متصاعدا تدفع الحكومة للتقشف وبالتالي تضطر المجالس المحلية لإلغاء بعض الدعم أو تقليله عندما لا تجد التمويل الكافي من الحكومة لمخصصات الرعاية. وتراقب الحكومة قضية تدفق المهاجرين رغم غضب المحافظين والأصوات اليمينية المتطرفة. ويشكّل المهاجرون أكثر بقليل من 15 ٪ من إجمالي القوة العاملة البريطانية وتعتمد عليهم في دفع الأنشطة الاقتصادية وتحقيق النمو. وقد وصل للمملكة المتحدة أكثر من 600 ألف مهاجر في العام الماضي 2024.
وفي مقدمة الكفاءات والمهارات التي تحتاجها البلاد الأطباء والتخصصات الصحية المختلفة بما في ذلك مقدمي الرعاية، إضافة للمهندسين والفنيين والعمالة الماهرة في قطاعات الأعمال والخدمات والبناء.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بالصحة والسكان حيث أن البنية التحتية، من الطرق إلى أنظمة الصرف الصحي، تعاني من وطأة الاستخدام المفرط والتمويل غير الكافي، وتستوعب المدن المزيد والمزيد من السكان العاملين، حتى أنها أصبحت مكتظة وغير صالحة للعيش، بنما تتلاشى الماسحة الخضراء، وبدلاً من الحفاظ عليها يتم استبدالها بالطرق المعبدة والطوب والإسمنت. كما أنه من دون نمو سكاني لا يمكن توقع زيادة الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة. ويتفق غالبية البريطانيين حول قصور الحكومات في اتباع النهج اللازم لمواجهة عدد لا يحصى من التحديات التي يجلبها النمو السلبي للسكان حاليا حيث يتجاوز معدل الوفيات معدل المواليد.
وتواجه الحكومة العمالية قضايا اقتصادية عويصة بعد تراكم داعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكس"، خاصة في توفير الواردات بيسر كما كانت إبان عضويتها في الاتحاد الأوروبي واستفادتها من إعفاء تجارتها من الرسوم والجمارك.
لذلك، تبحث الحكومة حاليا الانضمام إلى تجمعات تجارية تتيح لها مزيا، مثل الإعفاء من الرسوم الجمركية كجزء من حلول مقترحة "لإعادة ضبط" علاقتها مع أوروبا. في هذا الإطار جاء اقتراح وزير الأعمال جوناثان رينولدز بالانضمام إلى الاتفاقية الأوروبية المتوسطية (PEM).
وقال رينولدز إن هناك فرصًا إيجابية لتحسين شروط التجارة مع الاتحاد الأوروبي دون العودة للنظر في الاتحادات الجمركية أو الأسواق الموحدة أو حجج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع السعي أيضا إلى توثيق الروابط التجارية مع التجمعات والدول حول العالم.
وقد طرح رينولدز مؤخرا اقتراحه على ماروس سيفكوفيتش، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، المسؤول عن مفاوضات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي صرح في وقت سابق أن الاتحاد الأوروبي سينظر في انضمام المملكة المتحدة إلى (PEM) الذي يسمح بتجارة السلع بدون رسوم جمركية عبر أوروبا وكذلك بعض دول شمال إفريقيا والمشرق العربي. وحتى انفراج تلك الأزمات تظل الحكومة العمالية مهددة بالفشل طالما لا تملك وسائل زيادة المخصصات لكبار السن وصعوبة تأمين احتياجاتها التجارية بدون أعباء إضافية من الرسوم والجمارك.
Comments