الاعلامي كريم حداد
في أول ظهور إعلامي له بعد اعتراف قوى الممانعة بدوره السياسي وإنصافه، أكد رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، الشيخ أمين الجميل، خلال مقابلة مع الإعلامية إيمان شويخ في برنامج ”30 دقيقة “أن اتفاق 17 أيار 1983 لم يكن خضوعاً، بل كان محاولة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان سيادة لبنان، على عكس الاتفاق غير المعلن بين حزب الله وإسرائيل، الذي كرّس واقعاً من الخضوع والتسويات.
حارس الجمهورية في زمن الانهيارات
تولى الجميل رئاسة الجمهورية عام 1982، في واحدة من أكثر الفترات دقة في تاريخ لبنان، حيث كان البلد يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والوصاية السورية من جهة أخرى، وسط صراعات داخلية تهدد الكيان اللبناني. ورغم الضغوط الهائلة والتحديات المفروضة، تمسّك بثوابته الوطنية، وسعى للحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع انهيارها، في وقت كانت التدخلات الإقليمية والدولية تفرض واقعاً معقداً على لبنان.
اتفاق 17 أيار: مشروع سيادة لا خضوع
في حديثه، شدد الجميل على أن “اتفاق 17 أيار كان يهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتضمن أيخضوع كما هو الحال في اتفاق 27 تشرين بين إسرائيل وحزب الله”، مؤكداً أن “حزب الله يتحملمسؤولية استمرار الاحتلال الإسرائيلي في خمس نقاط حدودية، والمصلحة الوطنية تقتضي تطبيق القرار1701 على كامل الأراضي اللبنانية، وليس فقط جنوب الليطاني”. وأعاد التأكيد على أن “لا شرعية لأيسلاح خارج إطار الدولة”.
اتفاق 17 أيار: إجماع لبناني واعتراض بسبب نوايا إسرائيل
حظي اتفاق 17 أيار 1983 بموافقة رسمية وشبه إجماع داخلي، إذ صادقت عليه الحكومة اللبنانية بكامل أعضائها، وأقرّه مجلس النواب بعد مناقشات مستفيضة، إدراكاً منه بأنه يشكل فرصة حقيقية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان بعد اجتياح عام 1982. لم يكن الاتفاق مجرد خطوة عابرة، بل نتاج جهود دبلوماسية مكثفة هدفت إلى تأمين انسحاب القوات الإسرائيلية ضمن إطار يحفظ سيادة لبنان ويعزز استقلاله.
كما لم يقتصر التأييد لهذا الاتفاق على الداخل اللبناني، بل حظي بدعم غالبية الدول العربية، التي رأت فيه خطوة ضرورية لإنهاء التدخل الإسرائيلي في لبنان ومنع تحوله إلى ساحة صراع دائم. فبعد الاجتياح، كانت هناك مخاوف عربية من أن يرسّخ الاحتلال الإسرائيلي نفوذه بشكل مباشر أو غير مباشر، لذا اعتُبر الاتفاق آنذاك مخرجاً من هذا الواقع المفروض.
إلا أن التحدي الأكبر الذي واجهه الاتفاق لم يكن في مضمونه، بل في نوايا إسرائيل حيال تنفيذه. فبينما تعاملت الدولة اللبنانية معه باعتباره اتفاقاً يهدف إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي واستعادة السيادة الوطنية، أرادت إسرائيل تحويله إلى معاهدة سلام رسمية، تؤمّن لها اعترافاً دائماً في المنطقة، وهو ما رفضه الرئيس الجميل رفضاً قاطعاً. لقد كان الهدف اللبناني واضحاً: إنهاء الاحتلال دون تقديم أي تنازلات تمس بسيادة لبنان أو تفرض عليه التزامات سياسية أو عسكرية تتجاوز مسألة الانسحاب.
لكن الضغوط الخارجية، خصوصاً من سوريا التي رأت في الاتفاق تهديداً لنفوذها في لبنان، إضافة إلى محاولات إسرائيل استغلاله لفرض واقع سياسي جديد، أدت في نهاية المطاف إلى إفشاله. وهكذا، وبين التدخلات الإقليمية والضغوط الداخلية، أُجهض الاتفاق، رغم كونه فرصة حقيقية لاستعادة السيادة اللبنانية وإنهاء الاحتلال بطريقة شرعية ودولية.
السيادة خيار لا شعار
منذ لحظة تسلمه الحكم، كان الجميل واضحاً في خياره السيادي: لبنان يجب أن يكون وطناً مستقلاً، خالياً من أي وصاية، حيث لا شرعية إلا لمؤسسات الدولة. واليوم، تعترف حتى قوى الممانعة بأن الاتفاق الذي سعى إليه لم يكن خيانة، بل كان محاولة حقيقية لتحرير لبنان واستعادة قراره الحر، وهو ما يؤكد صوابية النهج الذي تبنّاه في مواجهة التحديات السياسية والعسكرية التي فرضت عليه.
نجاح العهد الجديد مرهون بالسيادة
وحول مستقبل البلاد، شدد الجميل على أن “نجاح أي عهد جديد يعتمد على تحرير الدولة من أي قوىغير شرعية، واستعادة القرار السيادي اللبناني بعيداً عن أي وصاية داخلية أو خارجية”.
تعليق على وفاة السيد حسن نصر الله
وفي تعليقه على خبر تشييع السيد حسن نصر الله، قال الجميل: “الله يرحمه، فنحن نحزن على كل قطرة دم تُسفك في لبنان، لكن لا شك أن هذا الحدث يأتي في سياق الأدوات التي يستخدمها حزب الله لفرض أمرواقع على الساحة اللبنانية”.
وفاء للقسم حتى اليوم
لم يكن أمين الجميل رئيساً عابراً في تاريخ لبنان، بل قائداً حمل الأمانة، دافع عن استقلال بلاده في وجه كل أشكال التبعية، ورفض أن يكون لبنان وطناً للدويلات والمليشيات. واليوم، يثبت مجدداً أنه لا يزال وفياً للقسم الذي أدّاه يوم دخل قصر بعبدا، حاملاً قضية لبنان الحرّ، السيّد، والمستقل.
Comments