bah مظاهرة تشييع السّيّدين نصر الله وصفيّ الدّين، ومفاعيلها الوطنيّة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

مظاهرة تشييع السّيّدين نصر الله وصفيّ الدّين، ومفاعيلها الوطنيّة

02/28/2025 - 18:10 PM

بيروت

 

 

ألسّفير د. هشام حمدان

 

كنّا من المتفهّمين لأبعاد مظاهرة تشييع الأمينين العامّين السّابقين لحزب إيران في لبنان، ألسّيدين حسن نصر الله وهاشم صفيّ الدّين ولم تأخذنا مشاعرنا السّياسيّة المعارضة لسياسات الحزب باتّجاه سلبي. كنّا من الدّاعين لضرورة منع قيام أيّة فرصة تدفع مجدّدا إلى إنجرار اللّبنانيّين إلى مواقف صداميّة بينهم، مع ضرورة الثّبات على المواقف الوطنيّة المبدئيّة المعلنة ضدّ سياسات نصر الله وحزبه. في الواقع، لم يكن من الممكن أن تمرّ هذه المظاهرة بسلام، لولا أنّ الظّروف الإقليميّة والدّوليّة قد تبدّلت تبدّلا جذريّا، وأنّ القوى الإقليميّة والدّوليّة بدّلت من تعاطيها مع لبنان، فلم يعد يعنيها الإستثمار في أحداث مثل هذا الحدث.

هذا الأمر، يؤكّد أنّ لبنان، خرج من نفق الحرب المظلم، ومن الصّراع الإقليمي والدّولي، وهو الآن على سكّة المعالجة. إستعادت الدّولة سيادتها على كامل الأراضي اللّبنانيّة، واستعادت حقّها الحصريّ في السّلم والحرب. من هنا بدأت الحاجة الماسّة للعمل من أجل استراتيجيّة وطنيّة لبناء السّلام في لبنان بعد النّزاع.

إنقسم اللّبنانيّون في مقاربة هذه المظاهرة التّشييعيّة. ليس غريبا هذا الإنقسام شبه العامودي بين اللّبنانيّين. فهذه شيم اللّبنانيّين، وجزء من تراثهم الدّيمقراطي التّقليدي. لكن، في حين أنّ مظاهرة التّشييع حملت بعدا مذهبيّا عميقا مغلّفا بمفهوم إيديولوجي سواء بنوعيّة المشاركين أو المرحّبين بها، فإن مواقف الغائبين عنها، كانت سياسيّة، حيث نظر هؤلاء ولو بأشكال متباينة، إلى شخصيّ المكرّمين على أساس مواقفهما السّياسيّة والإيديولوجيّة، وليس لثوبيّهما الدّيني.

وعليه، فإنّه من الواجب أن نقول، أنّ هذا الإنقسام لا طابع دينيّ له. وهو في الواقع نموذج حيّ لكلّ الأحداث والمواقف التي شهدها لبنان، وبلورها أهله منذ عام 1969، وحتّى تاريخه. ألحرب في لبنان، لم تكن طائفيّة أو مذهبيّة، بلّ سياسيّة إستغلّ أصحاب السّياسة فيها ألعامل الدّينيّ لتفعيل مصالحهم وأهدافهم. رفض تطييف الحرب في لبنان يفترض أن يكون جزءا أساسيّا من مفهوم إعداد استراتيجيّة إعادة "بناء السّلام بعد الحرب في لبنان".

نحن لا نستطيع أن نتجاهل إطلاقا مواقف إسرائيل تجاه هذه المظاهرة التّشييعيّة. لم يكن من الممكن أن تتمّ هذه المظاهرة دون موافقة إسرائيليّة ضمنيّة على إقامتها بالشّكل الذي تمّت به. جاءت هذه المظاهرة بتاريخ أعقب التّاريخ المتّفق عليه لإنسحاب إسرائيل من لبنان وفقا لإتّفاق وقف النّار بينها وبين حزب المكرّمين. إحتفظت إسرائيل بخمس نقاط استراتيجيّة داخل لبنان، ولم يعتبر الحزب هذا الخرق سببا لإسقاط مفاعيل إتّفاق وقف النّار. أسقط الحزب مقولة السّلاح لتحرير هذه النقاط، وأحالها إلى الدّولة.

هذا يعني عمليّا، أنّ الحزب خرج من ثوبه المقاوم، ليتحوّل إلى حركة سياسيّة محلّيّة مهما تكن شعاراته المعلنة. هذا الأمر، يفترض أن تعود الدّولة إلى التّمسّك باتّفاق الهدنة على أساس أنّه الإتّفاق الوحيد بين الدّولة اللّبنانيّة وإسرائيل. إتّفاق الهدنة، يجب أن يكون جزءا أساسيّا آخرا في رسم الاستراتيجيّة الوطنيّة لإعادة بناء السّلام بعد الحرب في لبنان.

من الواجب الآن أن تنظر الدّولة بإنتباه إلى مرحلة ما بعد المظاهرة. فالمظاهرة التي حصلت رغم أوجاع الكثيرين من النّاس الذين دفعوا أثمانا باهظة لسياسات نصر الله وحزبه قبل انهياره العسكري، شكّلت في إيجابيّاتها تهدئة للنّفوس في بيئة حزب إيران، وخفضا للإحتقان لديهم. من واجب الدّولة الآن أن تتفاعل مع الماضي من منطلق الحرص على الغد وبناء السّلام الأهلي. هذا لا يتمّ من دون تحقيق العدالة. من الواجب ان لا تقبل الدّولة بالتّورية على الجرائم التي حصلت. لا عفو عن الماضي. ولا قبول بشعار "عفا الله عمّا مضى". تحقيق العدالة للبنان وشعبه، واجب أساسيّ لتحقيق السّلم الأهلي. لن تشتري مليارات الدّولارات من التّبرّعات التي قد تتدفّق على لبنان، هذا السّلام. يجب الإعتراف أوّلا بأنّنا كنّا ضحيّة، وأن المال الذي يحصل عليه وطننا، هو تعويض له ولأهله.

لقد نادينا منذ سنوات، أنّ قانون العفو الذي صدر عام 1992 في أعقاب الحرب الدّاخليّة (الأهليّة)، لا يتوافق مع إلتزامات لبنان وفقا للقانون الدّولي، وحقوق الإنسان. لا يجوز حرمان ضحايا تلك الحرب من العدالة. ألعودة إلى هذا الأمر، ضرورة، وضرورة كبيرة. فالمصالحة الوطنيّة لم تحصل. من الواجب إعادة النّظر بهذا القانون. وقد اقترحنا في حينه اللّجوء إلى مثال نلسون مانديلا من خلال إقامة مؤتمر للمصارحة والمصالحة الوطنيّة كما فعل مانديلا بعد سقوط نظام الفصل العنصري في إفريقيا، بشرط تقاعد السّياسيّين الذين تلوّثت أيديهم بدماء الأبرياء من اللّبنانيّين من كلّ الطّوائف والمناطق، والإفساح أمام الجيل الجديد بإعادة بناء الوطن وفقا لاتفاق الطّائف.

لقد شهدنا منذ عام 1969، جرائم موصوفة بجرائم ضدّ الإنسانيّة، وجرائم حرب ولاسيّما تلك التفجيرات العشوائيّة، والإغتيالات الشّنيعة التي حصلت، وتفجير المرفأ. مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتّقادم، ولا يجوز لوطن وشعب حضاري مثل الشعب اللبناني أن يقبل بالتّورية عليها. يجب العمل سريعا للإنضمام إلى المحكمة الجنائيّة الدّوليّة التي شارك لبنان بفعالية بإعداد قانونها.

كما أنّ ما حصل من إفقار لشعب لبنان عبر السّنوات، ونهب ثروته ومدّخرات أهله بسبب فساد أهل السّلطة، تبقى مسألة فوق أيّ عفو. يجب إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الفساد وسؤال كلّ من شارك في السّلطة، "من أين لك هذا"؟

تعرّضنا لخيانة عربيّة، وإقليميّة، ودوليّة غير خافية. دفعنا فاتورة صراع الحرب الباردة والظّلم الذي لحق بأهل فلسطين. نطالب برفع الصّوت، ووقف المجاملات، ووقف شحذ المساعدات، وإسقاط الخجل بالمطالبة بالتّعويضات من كلّ حدب وصوب. ونكرّر وجوب مداعاة إيران، ومطالبتها بتعويض أهلنا الشّيعة كلّ خسائرهم ومصائبهم. البكاء على نصرالله وصفي الدين، لن يعيد إعمار الخراب. لن نقبل أن ندفع فاتورة عدوانها على وطننا وشعبنا من حساب أبنائنا وألأجيال الطالعة. *

 

 

*صدرت في جريدة النهار بتاريخ 17 شباط 2025 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment