bah "لبنان على مفترق طرق: الدستور أولًا، السيادة قبل كل شيء.. والقيادة أمام مسؤوليتها التاريخية - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

"لبنان على مفترق طرق: الدستور أولًا، السيادة قبل كل شيء.. والقيادة أمام مسؤوليتها التاريخية

03/09/2025 - 16:37 PM

Prestige Jewelry

 

 

 


الاعلامي كريم حداد

 

في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعيشها لبنان، تبرز المسؤولية التاريخية للقيادة اللبنانية كعامل حاسم في تحديد مصير البلاد. لم يعد لبنان قادرًا على تحمل المزيد من التردد أو المراوغة؛ بل يحتاج إلى إرادة سياسية قوية تعيد بناء الدولة على أسس دستورية راسخة، وتكرّس مبدأ السيادة الكاملة،وتضع حدًا للفوضى الأمنية والسياسية التي أنهكت البلاد لعقود.

الدستور أولًا: العودة إلى أسس الدولة

أي حديث عن إصلاح أو تغيير في لبنان يجب أن ينطلق من العودة إلى الدستور واتفاق الطائف،اللذين يشكلان الإطار المرجعي لبناء الدولة وتعزيز التعايش بين مكوناتها. فلبنان لا يحتاج إلى اتفاقات جديدة أو تعديلات دستورية، بل إلى تطبيق ما تم الاتفاق عليه بالفعل. تنفيذ الدستور بكل بنوده هو الضمانة الوحيدة لإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة واستعادة ثقة المواطنين بها. فالدستور ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو عقد اجتماعي يضمن الشراكة الوطنية ويحفظ حقوق جميع اللبنانيين.

وفي هذا السياق، يجب أن يكون خطاب القسم لرئيس الجمهورية بعد انتخابه تعهدًا صريحًا باحترام الدستور واتفاق الطائف، والعمل على استعادة الدولة لقرارها المستقل. فالعهد الجديد يجب أن يكون عهدًا لإنهاء حالة الفوضى الأمنية والسياسية، وإعادة بناء المؤسسات على أسس دستورية سليمة، بما في ذلك حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء وجود أي قوى مسلحة خارج إطار الشرعية.

السيادة قبل كل شيء: تنفيذ قرارات الشرعية الدولية

لا يمكن فصل مستقبل لبنان عن التزامه بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، التي تُشكل ضمانة لحماية سيادته واستقلاله. فالقرارات الدولية، مثل القرار 1559 الذي ينص على حصر السلاح بيد الدولة، والقرار 1680 المتعلق بترسيم الحدود، والقرار 1701 الذي يُلزم جميع الأطراف بعدم خرق السيادة اللبنانية، ليست مجرد توصيات، بل هي التزامات قانونية وسياسية يجب الوفاء بها. لقد أدى تجاهل هذه القرارات إلى استباحة لبنان وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

لذلك، يجب أن يعكس كلام رئيس الحكومة بعد تكليفه إرادة واضحة في تنفيذ هذه القرارات، بما يعزز سيادة الدولة اللبنانية ويحميها من التدخلات الخارجية. فلبنان لا يمكن أن يكون قويًا إلا بمؤسساته الشرعية، وليس من خلال تعددية القوى المسلحة التي تهدد كيانه.

حزب الله ولحظة الحقيقة: بين المساندة والمسؤولية

منذ قراره بفتح جبهة المساندة، أدخل حزب الله لبنان في معادلة إقليمية معقدة، متجاوزًا سلطة الدولة ومتسببًا في تصعيدٍ عسكري جرّ البلاد إلى أتون حرب مدمرة. فقد تحوّلت “المساندة” إلى مواجهة مباشرة، فرضت على لبنان أثمانًا باهظة، من دمار اقتصادي وانكشاف أمني، وصولًا إلى عزلة دولية متزايدة.

ومع أن الاحتلال الإسرائيلي لبعض الأراضي اللبنانية يبقى أمرًا مرفوضًا ويستدعي موقفًا وطنيًا موحدًا، إلاأن الرد عليه لا يمكن أن يكون عبر استراتيجيات منفردة وخارجة عن نطاق الدولة. فتورّط حزب الله في معارك ذات أبعاد إقليمية، وتحديدًا في سوريا، جعل لبنان جزءًا من صراعات الآخرين، بدلاً من أن يكون نموذجًا للسيادة والاستقرار. وهذا التدخل لم يؤدِّ إلا إلى المزيد من التورط في حسابات إقليمية خطيرة،انعكست سلبًا على الوضع الداخلي وأثارت مخاوف مشروعة حول مستقبل البلاد.

إن حزب الله اليوم أمام لحظة الحقيقة. لا ذريعة ولا حجة تبرر استمرار احتفاظه بسلاحه خارج إطارالشرعية اللبنانية. فالمعادلات الدولية تغيّرت، والضغوط الداخلية تتزايد، فيما بات واضحًا أن حمايةلبنان لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الدولة وجيشها الوطني، لا عبر تنظيمات عسكرية موازية تفرض أمرًا واقعًا بقوة السلاح.

قانون انتخابي جديد: نحو تمثيل عادل وحياة سياسية متحررة من الطائفية

يُعتبر صياغة قانون انتخابي جديد أحد المداخل الأساسية للإصلاح السياسي في لبنان. فالقانون الحالي، الذي يعتمد على النظام الطائفي، أثبت فشله في تحقيق تمثيل عادل للمواطنين، وأسهم في تعزيز الانقسامات الطائفية والمصالح الضيقة.

المطلوب هو قانون انتخابي وطني حديث يحرر التمثيل السياسي من الطائفية، ويجعل المواطن هو المحور الأساسي في العملية الديمقراطية، بدلًا من إعادة إنتاج نفس المنظومة الفاشلة. هذا القانون يجب أن يضمن تمثيلًا عادلًا لجميع اللبنانيين، ويعزز المشاركة السياسية الفاعلة، ويضع لبنان على مسار الإصلاح الحقيقي.

المسؤولية التاريخية للقيادة اللبنانية: خيار الدولة أو الفوضى

إن المسؤولية الكبرى في هذا الإطار تقع على عاتق القيادة اللبنانية، وخاصة الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام. فالمطلوب منهما اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة لتعزيز مبدأ الدولة الواحدة بجيش واحد وسلطة واحدة. أي تردد أو تراخٍ في هذا الصدد سيعني الاستمرار في إدارة الأزمات دون أي أفق للحل.

لبنان اليوم على مفترق طرق: إما أن يختار طريق الدولة القوية والمستقلة، القائمة على الدستور والشرعية الدولية وقانون انتخابي عادل، أو أن يبقى رهينة للفوضى والصراعات الخارجية. القيادة اللبنانية مطالبة اليوم بقيادة هذا التحول، لأن لبنان يستحق أكثر من أن يكون مجرد ساحة لصراعات الآخرين؛ إنه وطن يستحق أن يعيش أبناؤه بكرامة وأمان.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment