رامز الحمصي
يبدو أن شهور العسل انتهت فعليا، وما حذرنا منه (لون واحد لمؤسسات الدولة - ضعف العمل الدبلوماسي وحصره بشخص - عدم تفعيل العمل الدبلوماسي محليا وإقليميا ودوليا) قد حصل.
تشير التطورات الأخيرة إلى أن سوريا تواجه تحديات متزايدة على المستوى الدولي، حيث يبدو أن الاتحاد الأوروبي في مؤتمر بروكسل المقبل قد يتجه إلى تغيير آلية توزيع المساعدات، مما قد يؤثر على وصول الدعم المباشر إلى سوريا. ويترافق ذلك مع مواقف غربية متشددة تجاه الأحداث الأخيرة في الساحل السوري، حيث بات من الواضح أن المجتمع الدولي يربط تقديم الدعم الإنساني بمسار سياسي تعددي وأكثر شمولية.
الموقف الرسمي السوري: شروط!
في هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية السورية أن قرار المشاركة في مؤتمر بروكسل لم يُحسم بعد، مشيرة إلى أن هذه المشاركة ستكون مشروطة بمدى قدرة المؤتمر على تقديم دعم ملموس للسوريين بعيدًا عن أي أجندات سياسية خارجية. كما شددت على ضرورة عدم تجاهل أثر العقوبات الأحادية التي تعرقل عملية التعافي الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
الخارجية السورية ذكرت في بيانها، أنها لن تشار في أي منتدى يروج لأجندات خارجية على حساب سيادة سوريا ومصالحها الوطنية، وخاصة في مؤتمر بروكسل إذا كان مسيسا بطريقة تخدم روايات محددة.
قبل هذا التصريح بساعات، وفي خطوة أثارت العديد من التساؤلات، أقدمت منصة "إكس" (تويتر سابقًا) على إزالة إشارات التوثيق من الحسابات الرسمية للحكومة السورية، بما في ذلك حسابات رئاسة الجمهورية ووزارات الدفاع والإعلام والخارجية بالإضافة إلى حساب وزير الخارجية أسعد الشيباني.
ولم تصدر المنصة أي توضيحات رسمية حول الأسباب، إلا أن هذه الخطوة جاءت عقب نقاش دار على المنصة حول الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث سأل مالك المنصة، إيلون ماسك، عبر حسابه الرسمي عن أعداد المسيحيين الذين قتلوا في أحداث الساحل السوري، ما يعكس حساسية المشهد الإعلامي والسياسي في المنطقة.
إرهاصات ما بعد أحداث الساحل
سبق ذلك حدوث بعض المؤشرات والتنبيهات، حيث كتب مزاحم سلوم، الناطق السابق باسم عمليات التحالف الدولي في سوريا، أن هناك خبرًا قد يكون مفاجئًا للكثيرين، يتعلق بحالة الاستياء الغربية إزاء ما جرى في الساحل السوري، مضافًا إليها استياء عربي من سلسلة أحداث وقعت مؤخرًا في سوريا، مما أدى إلى نوع من التراجع أو التردد فيما كان مقررًا خلال مؤتمر بروكسل القادم لدعم سوريا.
وأشار سلوم إلى أن عددًا كبيرًا من الدول سوف تتحفظ مبدئيًا على وعود كبيرة للدعم كانت مخططًا لها سابقًا، معتبرًا أن هذا الأمر مقلق للغاية، خصوصًا وأن ما كان يثير مخاوفه في لقاءاته مع صانعي القرار في الغرب، هو عدم ممانعتهم لتكرار مزيج من السيناريو الأفغاني والليبي في سوريا، وذلك ضمن حدود الجهود التي تبذلها السياسات الغربية لمحاولة تعديل الأوضاع في سوريا.
هذا يعني عمليًا أن الغرب ومعه الدول العربية سوف يمنحون السوريين مهلة قصيرة للتعاون وتغيير الواقع في البلاد؛ ولكن إن وجدوا غيابًا للرغبة أو القدرة على تحقيق ذلك من الجانب السوري، فإن الوضع قد يؤدي إلى إهمال الملف السوري وترك البلاد منغلقة على واقعها المرير، تمامًا كما حدث في أفغانستان وليبيا، مع اقتصار التدخل الغربي على الحالات التي تُشكل تهديدًا مباشرًا له.
الغرب ينغلق تدريجيا
أعربت فرنسا عن قلقها إزاء تصاعد أعمال العنف في غرب سوريا، مؤكدة إدانتها الشديدة لأي انتهاكات ضد المدنيين على أساس طائفي. كما جددت باريس موقفها الداعي إلى انتقال سياسي شامل يحفظ التعددية في البلاد، مشددة على أهمية حماية المكونات الاجتماعية المختلفة.
وزير الخارجية الفرنسي وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، قال في بيان، إن "أعمال العنف في الأيام الأخيرة في غربي سورية تثير قلقًا عارمًا. أدانت فرنسا بأشد العبارات الانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون استنادًا إلى طائفتهم. والانتهاكات التي ارتكبت إزاء المدنيين في سورية هي بالفعل مرفوضة وإنّ موقفنا في هذا السياق ثابتٌ. ومرتكبي الانتهاكات والمسؤولين عنها يجب إدانتهم".
وكررت الخارجية الفرنسية "تمسكها بانتقال سياسي سلمي وجامع بمعزل عن التدخلات الخارجية، يكفل حماية التعددية الإثنية والطائفية في سوريا"، مؤكدة أن هذا الأمر هو "السبيل الوحيد لتجنب إغراق البلاد في التفكك والعنف، وعدم توفير أي جهد لتحقيق هذه الغاية".
من جهته، نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، في مقابلة مع تلفزيون "فوكس نيوز"، قال: "للأسف، عندما تشجع أميركا هؤلاء المتطرفين الإسلاميين، أو كما تطلق عليهم وسائل الإعلام الرئيسية المتمردين الإسلاميين، للسيطرة على بلد ما، غالبًا ما يتم تدمير الأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين. ولا نريد أن نشهد مجتمعًا مسيحيًا آخر يُمسح من على وجه الأرض".
وتابع فانس، "نحن نتحدث بالفعل إلى حلفائنا. نحن نقوم بالفعل بأشياء بعيدا عن الإعلام لمحاولة تشجيعهم على حماية الأقليات، الأقليات المسيحية، والدروز وغيرهم الموجودين هناك. لكن ما حصل كان فضيحة. ويجب أن نتذكر كما قال دونالد ترامب ذات مرة، أعتقد في عام 2013، أنه غالبًا عندما تدعم وسائل الإعلام الرئيسية هذه الجماعات المتمردة في الشرق الأوسط، نرى أناس يريدون السيطرة على الطائرات وتوجيهها نحو مبانينا".
وبيّن نائب الرئيس الأميركي، أنه "يجب أن نتذكر مع من نتعامل ونحن بحاجة إلى التأكد من أننا نحمي بعض هذه المجتمعات التاريخية. لأنه، بغض النظر عن آرائكم حول حرب العراق، فإن نتيجة غزونا للعراق هي أننا دمرنا واحدة من أعظم المجتمعات المسيحية التاريخية في العالم".
واختتم حديثه عن سوريا، بأن واشنطن لا تريد أن تسمح بحدوث ذلك مرة أخرى. مضيفا "نحن بالتأكيد لن نرسل قوات إلى سوريا، ولكن هناك الكثير من الأشياء التي يمكننا القيام بها دبلوماسيًا واقتصاديًا لحماية بعض هذه المجموعات".
تحديات أمام الدبلوماسية السورية
في ظل هذه التطورات، لفت السفير السوري السابق في السويد بسام العمادي، إلى الإشارات الجديدة من الإدارة الأميركية نحو سوريا، وقال إن القرار المرتقب للرئيس ترامب بوقف التأشيرات للسوريين – ضمن رعايا دول أخرى - وتصريحات نائبه حول سوريا، ورفع الإشارات الزرقاء عن منصة "إكس" للقيادة الجديدة في سوريا، يبين بوضوح بأن السياسة الأميركية تجاه القيادة السورية لن تكون مريحة على الإطلاق، وأن العقوبات لن ترفع أو تعلق قريباً.
العمادي ذكر أن "الانتقادات من الدول الغربية (المؤثرة) للقيادة الجديدة حول استئثارها بالسلطة (بغض النظر عن صحتها أو غير ذلك) لا يمكن التغاضي عنها إلى الأبد". وما لم يتم إشراك قوىً سياسية ومهنية أخرى من خارج الدائرة الضيقة في إعادة بناء الدولة وإدارتها، وبالاستفادة من الخبرات الكثيرة المتوفرة لدى قطاع واسع من السوريين للتعامل المهني الصحيح مع دول المجتمع الدولي، فسترتفع وتيرة الانتقادات ولن يستمر تعليق العقوبات، إن لم تتم إعادتها.
وعليه يرى العمادي، أنه يتعين تدارك الأخطاء قبل فوات الأوان، مذكرا أن جزء مما قاله رئيس المخابرات البريطانية (MI6) الأسبق والوزير الخاص لرئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1999-2001، جون ساورز، في صحيفة "فايننشال تايمز": أنه "يجب على الشرع جذب السوريين المنفيين الذين يملكون المهارات والاتصالات الدولية لقيادة حكومة تكنوقراطية. مثل هذه الحكومة يمكن أن تؤمن رفع العقوبات الغربية المتبقية وتعيد تشغيل الاقتصاد. ولكن ذلك يتطلب منه تقاسم السلطة، وليس الاحتفاظ بها لنفسه".
إذاً، مع تصاعد المواقف الدولية، تبدو الحاجة ملحّة إلى انتهاج دبلوماسية أكثر انفتاحًا تتيح إمكانية الحوار مع مختلف الأطراف، بهدف التوصل إلى حلول تضمن مصلحة الشعب السوري وتعزز فرص التعافي والاستقرار. إن التعامل بمرونة مع هذه التطورات قد يفتح آفاقًا جديدة لتجاوز الأزمات الراهنة، وتحقيق توازن بين المصالح الوطنية والتفاعلات الإقليمية والدولية.
Comments