بقلم الدكتور لويس حبيقة
تفاقمت مؤخرا المشاكل الأمنية الاقليمية والدولية بالتزامن مع حربي أوكرانيا وغزة حيث الخسائر كبيرة والمعالجات ليست بالمستوى المطلوب. يضاف اليها مشاكل اقتصادية حادة نابعة من الأمن ومن سياسات أنتجت جميعها التضخم العالمي وتعثر سلاسل الامداد وسؤ الاستقرار الذي يؤثر سلبا على الاستثمارات. لم تنجح العقوبات ومختلف التمنيات والقرارات والاجتماعات في تخفيف حجم العنف وتراكم الخسائر البشرية والمادية في الحربين الكبيرتين. بالرغم من كل العقوبات المفروضة غربيا على روسيا مثلا، ما زالت صادراتها النفطية تباع بشكل أو آخر في الأسواق الغربية بسبب الحاجة اليها كما بسبب نجاح بعض التجار في تحقيق أرباح هائلة تشجعهم على الاستمرار في خرق القوانين.
يمكننا القول أن حرية القول عالميا ضاقت منذ فترة قصيرة ليس بسبب ترامب 2 وانما بسبب المشاكل العرقية والسياسية والأخلاقية التي تعم العالم أجمع. في كل حال لا يمكن بناء اقتصاد سليم من دون أمن وهذه العلاقة ليست فقط مبدئية بل واقعية. فالأمن هو الايطار الذي يسمح للاقتصاد بالنمو ضمنه. من ناحية أخرى الاقتصاد السليم يقوي الأمن، اذ يؤمن التمويل المناسب والكافي لتطوير القوى الأمنية والعسكرية من ناحيتي الأجور والمنافع كما من ناحية المعدات والحاجات المادية والتجهيزية.
لبنان هو احدى الأمثلة المهمة لتعثر النمو الاقتصادي بسبب الأمن على الحدود وداخليا. تجمعت كل العوامل السياسية المتنوعة لتخفيض حجم الاقتصاد من 55 مليار دولار في 2019 الى حوالي 20 مليار دولار اليوم. هذه خسائر كبرى لا يمكن تعويضها بسرعة وسهولة، وبالتالي يتأخر قطار التقدم اللبناني مقارنة بالدول الأخرى التي ليس لها مشاكل أمنية حادة مماثلة. كل المحاولات لتنشيط الاقتصاد اللبناني وتحقيق النمو ستفشل اذا لم يتأمن الأمن لحماية الاقتصاد والأسواق وتأمين الأجواء العامة التي تسمح بالانتاج والاستهلاك والاستيراد والتصدير وغيرها من النشاطات. ترابط الأمن بالاقتصاد هو في غاية الأهمية وربما لم تغطه بعد الدراسات العلمية بالشكل الكافي العام والتفصيلي.
مع الحرب الأخيرة، بالتزامن مع حرب غزة، زادت خسائرنا المادية والمعنوية والنفسية مما يجعلنا عمليا غير قادرين على الاصلاح والتطوير. مع العهد الجديد المطلوب تحقيق اصلاحات جذرية كي تأتي المنح والمساعدات وتعطى لنا القروض. ليست هنالك مؤشرات واقعية لبدء هذه العلاقات الايجابية التي تؤسس للبنان جديد، وربما التقصير والاهمال يحصلان من جانبنا.
اذا أضفنا التطور التكنولوجيا الى التحديات السابقة تصبح الأمور معقدة أكثر. لهذا التطور ايجابيات لا حدود لها، لكن له أيضا سلبيات اذ سهل عمل الارهابيين وقيامهم بالأعمال غير الشرعية كما بالاجرام الاقتصادي وغيره من الشواذات والنشاطات المخلة بالأمن. كل هذه الأمور مجتمعة سهلت عودة التطرف العرقي والسياسي الى قيادات العديد من الدول مستفيدة من المواضيع الأمنية لتفرض سياساتها المعادية للحريات والديموقراطية وحقوق الأقليات والمهاجرين وحتى حقوق المرأة والأطفال. أجواء عامة سلبية تظهر نتائجها أكثر فأكثر في الانتخابات التشريعية والرئاسية في دول حساسة على صعيد الأمن العالمي.
Comments