الاب الدكتور نبيل مونس *
عيد البشارة هو عيد المحبّة الإلهيّة، المحبّة الأزليّة والأبديّة، السرمديّة والعذريّة. إنها المحبّة النقيّة السامية، السماويّة الروحيّة النورانيّة؛ أبهى، أنقى وأعمق أنواع الحب. حب لم تلتقطه أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ولم يتخيله عقل أو تحلم به نفس.
أحبّ الله العالم إلى حد لا يُتصور، فأرسل ملاكه جبرائيل إلى مريم المختارة بنعمته الإلهيّة وقوّته السماويّة، لتكون أمًّا وقلبًا وروحًا وجسدًا، خاضعة بالكامل لإرادته الإلهيّة وعقله السماوي. وهكذا أصبحت أمّ المخلّص يسوع المسيح، التي كانت كلّ رغباتها تنحصر في الله وإليه تعود.
قد يتساءل الإنسان المقيّد بالمكان والزمن: كيف يكون هذا ممكنًا؟ الله، الذي خلق الإنسان من التراب ومن العدم، والذي أبدع الكون كله، المنظور وغير المنظور، يستطيع أن يتنازل ويتجسد من العذراء مريم بقدرته الفائقة ومحبته اللامحدودة. محبته التي لم يعرفها إنسان قط بمثل ما عرفتها مريم، التي اختارها لتكون "حوّاء الجديدة"، أم الحب الجديد وزمن البشارة الجديدة.
البشارة الحقيقيّة هي أن الله محبّة، حق، نور وروح، ومحبته أبدية لا تسقط أبدًا.
لماذا لا نبحر في عالم الحق والنور؟ مهما تعاظم المتجبرون وطغى المتسلطون بأفكارهم، أو تاه المتديّنون في تفاسيرهم، فإن الصحيح هو الذي يصمد. لأن الله هو الحق والعدل. فلا يخدعنا العنف أو الشهوة أو السلطة.
عيد البشارة اختاره المؤمنون الودعاء والشهداء في لبنان وجعلوه عيدًا وطنيًا، ليكون نموذجًا تحتذي به الأرض كلها، ولقاءً بين المسلمين والمسيحيين دون إكراه. وليعمّ سلام المحبّة الإلهيّة قلوب الجميع، وينتشر النور في العالم بأسره.
عيد البشارة هو أول الأعياد من حيث ترتيب أحداث ميلاد يسوع فلولا البشارة وحلول يسوع في بطن العذراء ما كانت بقية الأعياد، لذلك الآباء يسمونه رأس الأعياد والبعض يسمونه نبع الأعياد أو أصل الأعياد.
* مؤسس اللجنة اللاهوتية للسلام في لبنان وراعي كنيسة سيدة لبنان المارونية في ولاية اوكلاهوما الأميركية
Comments