رامز الحمصي
بعد سقوط النظام السوري وفرار الأسد إلى موسكو والتي تزامنت مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، اتجهت الأنظار نحو سياسته تجاه سوريا، لكن السؤال الملح يبقى: ماذا يريد ترامب من الشرعية الجديدة في دمشق؟
كل المؤشرات تدل على أن سوريا ليست أولوية في حد ذاتها لإدارته. يبدو أن الاهتمام الأمريكي ينصب أكثر على قضايا إقليمية مثل إيران والاتفاقات مع إسرائيل، تاركاً سوريا في دائرة انتظار مشروطة. في هذا السياق، يمكن رصد اتجاهين محتملين لسياسة ترامب تجاه الحكم السوري الجديد.
الاتجاه الأول يتمثل في رفض قاطع للتعامل مع السلطة في دمشق، خاصة إذا نظرت إليها الإدارة من منظور "جهادي" مرتبط بجماعات مدرجة على قوائم الإرهاب، مثل "هيئة تحرير الشام". هذا الرفض قد يعكس استمرارية نهج أمريكي يعتمد على تصنيفات صارمة، متجاهلاً أي تغييرات قد تحدث في موقف هذه السلطة.
أما الاتجاه الثاني، فيذهب إلى وضع قائمة طويلة من المطالب كشرط مسبق لأي تقارب، بما في ذلك رفع العقوبات أو الدفع نحو إلغاء "قانون قيصر" في الكونغرس. هذه المطالب قد تشمل ضمانات أمنية، قطع العلاقات مع إيران، أو تغييرات سياسية جذرية.
أمام هذا الواقع، تجد الحكومة في دمشق نفسها أمام خيار حاسم يتطلب تفكيراً منطقياً وعلمياً ومترابطاً. التعامل مع إدارة ترامب لن يكون سهلاً، لأن سياسته غالباً ما تجمع بين العملية والعقابية. إذا اختارت دمشق التصلب والرفض التام، قد تواجه عزلة أكبر وعقوبات مشددة. أما إذا سعت إلى التفاوض، فإنها تحتاج إلى خطة واضحة تثبت جديتها في الانتقال من مرحلة الثورة إلى بناء دولة حديثة، دون أن تظهر كأنها تستسلم لضغوط خارجية.
الفرصة موجودة، لكنها محدودة. ترامب، بطبعه، يفضل الصفقات على المواجهات الطويلة، وقد يرى في سوريا مجالاً لتحقيق "انتصار" دبلوماسي إذا قدمت دمشق تنازلات ملموسة. لكن هذا يتطلب من الحكومة السورية اختيار قيادات ذات مصداقية، قادرة على الحوار مع واشنطن بعيداً عن الشعارات. التفكير المتسلسل هنا يعني البدء بإصلاحات داخلية تُظهر التزاماً بالتعددية والشفافية، ثم استغلال ذلك كورقة تفاوض.
الكرة في ملعب دمشق. إدارة ترامب لن تبادر بالتقرب، بل ستنتظر خطوات عملية. الخيار المنطقي لسوريا ليس الاستسلام أو التحدي العقيم، بل بناء استراتيجية تجمع بين الحفاظ على السيادة وفتح قنوات واقعية مع واشنطن. التاريخ يعلمنا أن الفرص لا تتكرر كثيراً، وعلى دمشق أن تثبت أنها تستحق مقعداً على طاولة الحلول، لا أن تبقى رهينة عقوبات أو تصنيفات.
Comments