ألسفير د. هشام حمدان
لا ينقص اللبنانيين علم ولا معرفة ولا خبرة، لكن ينقصهم الإيمان بالوطن والإخلاص له.
أفتش حولي، فأجد عشرات الكفاءات المؤهلة لتولي أية مسؤولية مهنية. لكن المسؤولية الوطنية، لا تعني القدرة العلمية والكفاءة المهنية فحسب، بل هي أولا، رؤية لبناء الإنسان الملتزم بوطنه وأرضه وكرامته وسيادته وعزة هويته.
وإذا نظرنا حولنا، فسوف نرى أن اللبنانيين، يعتقدون أنهم يملكون الرؤية، فيما هي في الواقع، رؤية تقوم على بناء الإنسان وفقا لأهواء، اغلبها مذهبي وطائفي تبلورت بشعارات سياسية وإيديولوجية متباينة تخدم كل شيء إلا بناء الإنسان الملتزم بالوطن.
ما أقوله معروف جدا. لكن المضحك المبكي. هو أن كل واحد يرى أن هذه العلة هي عند الآخر ومن المؤسف أن هذه القناعة قد ترسخت لديهم مع مرور الأيام. فلا يوجد مدرسة وطنية. ألمدارس السياسية، تدعي أنها مدارس وطنية، لكنها تحولت إلى شركات مقاصة. فهذه المدرسة تنهل من معين غربي فرنسي او أميركي، وأخرى تنهل من معين شرقي سعودي او إيراني او حتى تركي. وبعضها يرتاح بين الجميع، فيرى نفسه متنقلًا في فكره بين هذا المنهل وذاك. ودائمًا بشعارات رنانة. كل شيء إلا الوطن حتى حمل العلم صار جزءًا من تبدل المناهل.
منذ أن تم انتخاب الرئيس جوزاف عون وتسمية د. نواف سلام رئيسًا للحكومة، واللبنانيون يعيشون وهم التغيير والتحول إلى المواطنة. فأية مواطنة نتوقع؟
ألمواطنة ليست وجهة نظر يطرحها فخامة الرئيس في خطاب قسم، ولا وجهة نظر يعرضها رئيس الحكومة المكلف في بيان قبول التكليف، ولا بيان وزاري تقدمه حكومة محاصصة بين الأحزاب التي دمرت لبنان. ألمواطنة برنامج واستراتيجية. ومثل هذا البرنامج وهذه الاستراتيجية، يقومان فقط، بجهد إخصائيين يرفعون أولا شعار بناء الإنسان المواطن اللبناني المخلص لوطنه.
فتشت عن مثل هذا الجهد في خطاب القسم، وبيان التكليف، فلم أجده. وجدت مواقف تتفاعل مع الحالة الحاضرة التي فرضتها المعارك العسكرية. هي ردات فعل إيجابية،طبعا اذ في ظاهرها إستعادة لسيادة الدولة، لكن في عمقها خارطة طريق وضعها المنتصر بسلاحه،. هذه ليست خارطة طريق لبناء لبنان المواطنة، بل خارطة طريق تنزع لبنان من موقع وتضعه في موقع آخر. لطالما تبدلت المواقع، لكن لم يحصل أبدا انها اعادت اللبناني إلى وطنه،
أقول هذا الكلام وأنا أعلم أن هذه مهمة ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة. قبل أن نتحدث عن المهمة، علينا أن نعترف أننا بحاجة الى مثل هذه الرؤية . ترى، هل يقبل الرئيسان مثل هذه الحاجة؟
لا نستطيع أن نطلب من الأحزاب أن تفعل ذلك. كل الأحزاب ملوثة، ولون الدماء يطغى على تاريخها وأفكارها. لكننا نستطيع أن نطلب ذلك من الرئيسين عون وسلام.
يعلم الرئيس سلام مندوب لبنان الدائم السابق في الأمم المتحدة لأكثر من عشر سنوات، أن الجمعية العامة ومجلس الأمن يستعرضان سنويًا ودوريًا سياسة تبناها المجتمع الدولي منذ عام ١٩٩٤، تحت عنوان بناء السلام بعد النزاع. لقد درس المجتمع الدولي بعمق، مشكلة اللا مواطنة في المجتمعات التي تعرضت لحروب أهلية، وفي المجتمعات المتعددة الولاءات القبلية والإثنية والعرقية، ووجد أن طريق بناء السلام في مثل هذه المجتمعات، يحتاج إلى صدمة علمية تخرج الناس من التحجر الفكري القائم على مفاهيم قديمة أودت بالوطن .
شاركت بنقاشات المجتمع الدولي بهذا الصدد. وأدركت الأبعاد المقصودة. ووجدت أن من اقل الواجب أن أنقل هذه المعرفة إلى أهل وطني. قمنا بإنشاء الجمعية اللبنانية لبناء السلام والتنمية المستدامة من مجموعة أخصائيين مهنيين. بالطبع، نحن نعمل في الظلام لأننا لم ننبثق عن ألأحزاب، ولا نستعين بمعين خارجي. ولست واثقا إذا كان المجتمع المحلي يمكن ان يلتزم فعلا بمثل هذا الهدف الاستراتيجي لمهمة الجمعية.
لقد عانينا من تجربة ١٧ تشرين ومن عمق الأنا في داخلنا. ألمواطنة اكبر من الأنا، والانا ترتبط دائما بغرض. والغرض في لبنان لا يتحقق إلا بالعمل مع الاحزاب .بناء المواطنة يفترض أيضا مراجعة في علم نفس المجتمع.
لذلك كله. نتطلع أن يتبنى الرئيسان عون وسلام هذا التوجه. و أناشد المخلصين لمفهوم بناء المواطنة، العمل في هذا الإطار التنظيمي لتحقيق تغيير حقيقي في مجرى الأمور.
Comments