bah الهوة تتعمق بين جناحي الأطلسي.. هل تستعد أوروبا لعصر ما بعد أمريكا؟ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الهوة تتعمق بين جناحي الأطلسي.. هل تستعد أوروبا لعصر ما بعد أمريكا؟

04/01/2025 - 19:23 PM

Bt adv

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

 

يشعر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن استراتيجية غربية مشتركة في مواجهة الخطر الروسي لم تقطف أمريكا أي ثمار من هذه الاستراتيجية، حين توسعت أوروبا نحو الشرق، وأصبح عدد الدول الأوروبية نحو 30 دولة بجانب أمريكا وكندا، وفي نفس الوقت لديها شراكات مع الصين أكبر من الشراكات مع الولايات المتحدة، أي أن أمريكا تنظر إلى أوروبا كمنافس أكثر منها حليفا، ونمت الصين على حساب الولايات المتحدة، ولم تعد روسيا الخطر الحقيق، بينما ترى الولايات المتحدة الخطر الحقيقي الصين، فلابد من إعادة هذا التحالف من بقايا تركة الحرب العالمية الثانية، عندما تأسس الحلف عام 1949، فيما ترمب يركز على الأولويات في المصالح والعلاقات والمقاربات المتصادمة، ولم يعد ترمب يؤمن بانها مصالح حيوية أو قضايا استراتيجية مشتركة في البيت الغربي، وهو حلف من تركة زمن ثنائي القطب في الحرب الباردة، ويردد ترمب مقولة لنابليون من يخدم بلده لا يجب أن يكون ملتزما دائما بالقواعد، فتراجع الاهتمام الأمريكي في المسرح الأوروبي لمصلحة إعطاء الأولوية للخطر الذي تشكله الصين في المسرح الدولي.

حتى بريطانيا وجدت نفسها بعيدة عن ترمب وملتصقة بالأسرة الأوربية في مواجهة ما تعتبره أحد أكبر التحديات التي تواجهه القارة الأوروبية، فيما تحدثت فرنسا عن البحث عن إقامة مظلة نووية أوروبية، وطرحت نفسها حامية للأوربيين نوويا، رغم ذلك ماكرون عراب زيلنيسكي وهمرة الوصل بينه وبين ترمب، وفي حقيقة الأمر أن باريس لا تعي سبب استهدافها، وتذكر ترمب أن القوات الفرنسية شاركت في أفغانستان مع القوات الأمريكية عام 2001، فالعلاقات بين ماكرون وترمب جيدة وبرز ذلك في مناسبتين، لكن المثير للاهتمام تزايد تعاطف اليمين المتشدد مع سياسة ترمب بسبب التقارب معه في التعاطي مع كثير من المشكلات التي تعاني منها القارة الأوروبية ويؤمنون بنفس الحلول التي يطرحها ترمب.

العداء العلني الذي أبداه الرئيس ترمب تجاه الرئيس الأوكراني زلينسكي واستعداده لاحتضان بوتين اجبر الزعماء الأوروبيون على البدء في التفكير في أمر لم يكن من الممكن تصوره من قبل: هل الولايات المتحدة شريك أمني موثوق به في وقت تهتز فيه القارة بأكبر حرب لها منذ أربعينات القرن العشرين، وكانت القوات الأمريكية خلال الحرب الباردة رادعة لأي طموحات سوفيتية لتوسيع حلف وارسو، وفي حرب البلقان في التسعينيات تجرى بقوات أمريكية وقوة جوية.

ووفق تقرير نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية أن الدول الأوروبية تعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية ووضعت خططا لتقليل اعتمادها العسكري على واشنطن خلال العقد القادم خصوصا في ظل التفاوت في الاتفاق في القارة، حيث خططت بولندا ودول البلطيق اكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، بينما لم تصل دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا إلى الحد الأدنى المطلوب داخل الحلف وهو 2%، فهولندا تخطط لرفع عدد جنودها من 74 ألفا إلى 200 ألف، وأعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن خطة لتدريب 100 ألف متطوع سنويا لحلول 2027 للوصول على جيش قوامه 500 ألف جندي، أي أكثر من ضعف حجمه الحالي.

 بالتوازي مع زيادة أعداد الجيوش، تقوم الدول الأوروبية المحاذية لروسيا بتحصين حدودها بشكل غير مسبوق، إذ وقعت لاتفيا وليتوانيا وإستونيا في 2024 اتفاقية لتعزيز الدفاعات الحدودية مع روسيا وبيلاروسيا، فيما بولندا أطلقت مشروع الدرع الشرقي بتكلفة تفوق 2.5 مليار دولار لوضع دفاعات على حدودها مع بيلاروسيا ومنطقة كالينيغراد الروسية، في أكبر عملية تحصين حدودية منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك النرويج أصدرت دليلا لمواطنيها حول كيفية التعامل في حالات الحروب، وكذلك فنلندا لديها سيناريوهات التعامل مع الحروب.

 أي استقلال دفاعي عن الولايات المتحدة لا يزال تحديا معقدا يتطلب من 5 إلى 10 من الانفاق الدفاعي المتزايد إلى جانب تعاون غير مسبوق بين الدول الأوروبية لضمان أمن القارة في غياب أمريكي داخل الناتو، فالقمة الأوروبية التي عقدت على عجل في لندن لتعبئة الموقف الأوروبي وحثت المفوضية الأوروبية على حشد 800 مليار يورو لإعادة تسليح الاتحاد الأوروبي.

لم يتردد ترمب في إفهام الأوربيين أن الأمور تغيرت، وأن الاستفادة من مظلة الحماية الأمريكية مشروطة، وهو لا يرغب في وجود قيادة أوروبية قادرة على تجميع الأوربيين ودفعهم لمواقف متصلبة إزاء الولايات المتحدة، يدعمه تردد شرق أوروبا التي لا ترى فائدة من تغيير الأحلاف القديمة التي لا تريد القطيعة مع الولايات المتحدة ولا تخفي قلقها من المبادرات الأوروبية وهي تستشعر التهديد الروسي أكثر من غيرها، تضم هذه الدول دول بحر البلطيق وبولندا ورومانيا ومولدافيا، ويعتبرون ترمب شريكا أكثر تطلبا وصعوبة، لكن يرون أهمية تعزيز وتحسين العلاقات عبر الأطلسي أي مع الولايات المتحدة وهي عازمة على شراء الأنظمة الدفاعية الأمريكية، ما يتناقض مع الرغبة الأوروبية الأخرى التي تمثلها فرنسا بالدرجة الأولى، والقاضية بتعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية كوسيلة لتحقيق الاستراتيجية، بدل الاستمرار في التعويل على ما تنتجه المصانع الأمريكية وما يتلازم معه من تبعية، وبشكل خاص تقضي ألمانيا بتخصيص 500 مليار يورو إضافية للدفاع في السنوات الخمس القادمة.

 

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا

      Dr_mahboob1@hotmsil.com

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment