رامز الحمصي
سوريا، التي بدأت تتنفس نسائم التغيير بعد عقود من القمع والدمار، تواجه اليوم تهديدًا جديدًا قد يعيد رسم مصيرها بطريقة لم نشهدها منذ عقود. التطورات الدموية الأخيرة في #درعا الحبيبة، التي كانت مهد الثورة، ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي أخطر حدث في سوريا منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة. هذه التطورات ليست مجرد انفلات أمني، بل مؤشر صريح على نية إسرائيلية لصنع مستقبل انفصالي للجنوب السوري، في خطوة قد تغير خارطة البلاد إلى الأبد.
ما يحدث في درعا ليس مصادفة. الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت مواقع عسكرية وأودت بحياة مدنيين، تكشف عن استراتيجية أعمق من مجرد "حماية الأمن القومي" كما تدعي تل أبيب. إنها خطة لتقطيع أوصال سوريا، بدءاً من جنوبها المتاخم للحدود الإسرائيلية. يمكننا القول إن ما يجري في الجنوب أخطر بمئات المرات مما كان متوقعاً في شمال سوريا، حيث كانت المخاوف من انفصال يحظى بشبه اهتمام دولي. الجنوب، بقربه من إسرائيل، يقع تحت تأثير مباشر لدولة لديها القدرة والنية لفرض رؤيتها، مستغلة سيطرتها المتزايدة على المنطقة إلى أجل غير مسمى.
هذا الواقع موجع، ولا أحد يريد سماعه. لكن إغماض العين عنه بعد اليوم هو خطأ جسيم قد يكلف سوريا وحدتها ومستقبلها. إسرائيل، التي بررت ضرباتها بـ"منع إعادة بناء قدرات عسكرية تهددها"، تبدو وكأنها تسعى إلى خلق منطقة عازلة دائمة، وربما كيان موالٍ لها في الجنوب السوري. هذا المشروع، إن تحقق، لن يكون مجرد تهديد أمني، بل كارثة وطنية تهدد بتقسيم سوريا على أسس جغرافية وسياسية جديدة، مستغلة ضعف السلطة المركزية وانشغالها بالتحديات الداخلية.
ما يجعل هذا الخطر أكبر هو التوقيت. سوريا في مرحلة انتقالية، تحاول الخروج من أنقاض الحرب وبناء حكومة جديدة. الفراغ الأمني في الجنوب، مع استمرار الفوضى وعدم القدرة على فرض السيطرة، يوفر أرضية خصبة لأي تدخل خارجي. إسرائيل، التي تملك تاريخاً طويلاً في استغلال الاضطرابات الإقليمية، قد ترى في هذه اللحظة فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها. على عكس الشمال، فإن الجنوب يقع مباشرة تحت ناظر إسرائيل، مما يجعل التدخل أكثر سهولة وفعالية.
السوريون لا يمكنهم تحمل تكرار أخطاء الماضي. تجاهل هذا التهديد أو الاكتفاء بردود فعل عاطفية لن يوقف المخطط. الحكومة الجديدة، التي تشكلت مؤخرا أمام مسؤولية تاريخية لمواجهة هذا التحدي. استعادة السيطرة على الجنوب ليست مجرد مسألة عسكرية، بل تتطلب استراتيجية سياسية ودبلوماسية شاملة. يجب تعزيز الوجود الحكومي في درعا، وفتح حوار مع الأطراف المحلية لضمان الاستقرار، مع الضغط دولياً لردع أي محاولات انفصالية.
إسرائيل لن تتردد في استغلال أي ضعف. تاريخها في الجولان، الذي ضمته فعلياً، يثبت أنها قادرة على تحويل السيطرة المؤقتة إلى واقع دائم. السوريون مدعوون اليوم للنظر إلى هذه الحقيقة بعين مفتوحة، مهما كانت مؤلمة. الصمت أو التجاهل لن يحميا الوطن، بل سيعززان من فرص نجاح هذا المشروع الانفصالي. الحل يكمن في توحيد الصفوف، وتعزيز الجبهة الداخلية، والتحرك بسرعة لسد الثغرات التي يمكن أن تستغلها إسرائيل.
درعا ليست مجرد مدينة، بل رمز للثورة والصمود. تركها فريسة لمخططات خارجية سيكون خيانة لتضحيات السوريين. الحكومة الجديدة، والشعب بكل مكوناته، مطالبون باتخاذ موقف واضح وحاسم. الجنوب السوري ليس للبيع، ووحدة سوريا ليست قابلة للتفاوض. الوقت ليس للبيانات والتنديدات، بل للعمل قبل فوات الأوان.
Comments