bah حديقـة السَّفـاري البشريَّـة!! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

حديقـة السَّفـاري البشريَّـة!!

04/04/2025 - 15:58 PM

Atlas New

 

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

تمدَّدت المنخفضات التّربويَّة، السُّلوكية والأخلاقيَّة في جميع المجالات الحياتيّة للناس، واجتاحتهم عاصفة الجرائم، يحيط بهم سياج الآلام، الذي لا يمكن عبوره، لاكتظاظ أسلاك الأنين الشّائكة جدًّا، فغدت سلسلة مرعبة من المعاناة القاسية... جرَفَت أنهُر اللامبالاة تصريحات وصرخات النوّاب العرب، وصبّت في مَصَب اللؤم اليهودي البرلماني، الرافض إيقاف هذا التسونامي، الذي قد يطالهم.

ما أستغربه في هذه القضية، أنّ مواقع الإنترنت المحليّة الشهيرة، تُحوّل تلقائيًا أي حادثة قتل أو طعن إلى خبر عاجل! وكأنها نادرة الحدوث أو عديمة الوجود، ربما تعتقد أنّنا نعيش في الدول الإسكندنافية، جائز لا أدري! مع إنها تَحدُث على مدار السّاعة في مجتمعنا الذي تحوّل مع مرور الزّمن إلى حديقة سفاري بشريّة شرسة، حدودها الموت الأكيد!!

موقع الفيسبوك أصبح أفضل وسيلة إعلام تنقل أي خبر، ليروِّج لهذا "السّبق الصّحفي الحصري"، فتحوّل إلى حديقة سفاري افتراضيّة متوحشة لا ترحم، تشارك بنشرها الهواتف الذّكية، حتّى تتضاعف نسبة متابعة أصحاب هذه "الصّفحات التوثيقيّة المحترمة!"، نجد بعضهم يعمل على اتّباع سياسة التهويل، لخلق مؤثّرات إخبارية كاذبة، على حساب الضحيّة التي تستغيث بتحقيق العدالة، لذا غالبية هذه الوسائل الرّقميّة غير المسئولة، باتت تساهم فعليًّا في تأجيج العنف الكلامي والجسدي!!

تحوَّلت الشُّرطة في عهد الوزير الشّرير، بن جفير إلى مؤسّسة سياسية، بدون ضوابط، تُدار حسب "معاييره"، دون أن يكون لقائد الشرطة أي تأثير... لا تعمل على كشف ألغاز ملفّات الجرائم... العرب يجلسون على برميل الذُّعر، الذي قد ينفجر غضبًا لعدم تفعيل جهاز الأمن العام أدواته الخاصّة. العُثور على الجناة "أمرٌ لا يقدِر عليه" قسم التحقيقات، الواقع تحت سيطرة المقرّبين من وزير العمى القومي، عفوًا الأمن القومي بن جفير، المخلصين لمبدأ التنكيل بجراحنا وبمآسينا!!

أعمال القتل التي تحدث في الوسط العربي، أصبحت فصلًا روتينيًّا من حياة العربي "الهمجيَّة"!، لأنه بالنسبة للمفهوم الرّسمي الحكومي، فهو "إرهابي" لا يلتزم بلوائح الشرعيّة الإسرائيلية، لا يستحق العيش بأمان في بلدته، لا يحق له البقاء على أرضه، وحسب التفكير اليهودي العنصري، فإن الجرائم التي تحدث، هي "أعمال فرديّة خاصّة"، تُمهِّد لتضييق العيش على العرب، من أجل أن يبدؤوا بإجراءات الهجرة القسريّة. هذه الحكومة التي جعلت العنصريّة قانونيّة، جعلت أيضًا من الجريمة أداة غير مباشرة لترحيل العرب.

التقليصات الحادة في الخدمات التي تقدمها الحكومة للطّبقة المتوسّطة، تحوَّلت إلى عقوبات معيشيّة، فرضتها على جيبة المواطن ذي الدّخل المحدود... تنسى الحكومة أنها تقضي على العيش الكريم للشّعب، تُساهم بشكل غير مباشر في نشر العنف الاجتماعي، الذي بات وباءً بشريًّا لا علاج له!، إلّا إذا التفتت للأمن الدّاخلي، لتعزِّز الأمان الشّخصي، منعًا لاندلاع حرب أهلية.

بات المواطن يحلُم أن يقود سيارة مصفّحة، لئلّا يصيبه عيار ناري طائش، أطلقه عليه أحد سماسرة العنف، فيُصبح ضحيّة عابرة كغيره من الضّحايا الأبرياء العابرين!! ليس فقط 59 أسيرًا إسرائيليًّا محتجزًا في غزّة، كذلك هناك أكثر من مليون ونصف عربي محتجزين كالأسرى المؤبّدين، في أضخم مجمِّع للإجرام، لأن حياتهم مُعرَّضًة للقتل بأي لحظة، كذلك راحة بالهم تُستَنزَف.

عدم تعاون الأجهزة الأمنية لاتخاذ أي إجراءٍ وقائي ضد منظّمات الإجرام المنتشرة في مجتمعنا، قد كشف حقيقة تقاعسها على الملأ، تتغاضى عن تهريب السّلاح، لأنها معنية بانتشار العُنف في الوسط العربي تحديدًا، لنَظَل في أعلى قمّة مرتكبي الجرائم في الدولة! وعدم تحويل الوزيرة ماي جولان الميزانيات للمجتمع العربي، إلّا تحت آليات رقابيّة، سيزيد المشاكل وسيزيد صراع البقاء على الحياة.

احتلّ العنف كل المجالات، على عدّة خلفيات، منها العائليّة، التجارية والطّائفيّة!، كذلك اخترق الرّياضة، وبالأخص كرة القدم، التي تُعتَبَر أرقى أنواع المنافسة... في المؤسسات العامّة، ولكن الأقسى اقتحام منازل كبار السّن والمستضعفين في وضَح النّهار!!... معظم هذه الحالات تصب في خانة العنف الاجتماعي النّاجم عن ارتفاع أدرنالين التوتّر في دم بعض الشبّان!

مفهوم العنف لم يعد بُنيته الانتقام، إنّما هو خلايا ترهيبيّة خاملة، موجودة في كل مكان، توقظها شخصيات شاذّة اجتماعيًا، تعاني من عقدةٍ نفسية، أو ربّما نشأت في بيئة مفكّكة أسريًّا... فهذه الشهامة الوحشيّة، تحرّكها غريزة التسلُّط بالقوّة على أي شيءٍ صعب المنال! مهنتها البلطجة، تفكيرها سادي، لذا تضطر لاستخدام أي شكل من أشكال العنف، لكي تُثبت أحقيتها في كل شيء، عن طريق فرض سياستها العدوانيّة على الآخرين، مهما كلّفها الأمر! لذا نحن بحاجة لحرس شخصي مسلّح يحمينا من هجوم حيوان بشري، شرس على غفلة!

في حديقة السّفاري، نتوقَع مُسبقًا أن نصادف حيوانات بريّة، من فصيلة آكلي اللحوم، تسرح في أرجائها، تنعم بشبه الحريّة، بينما في حديقة السفاري البشرية، نجد فصيلة بني البشر، قد تطوَّرت طبيعتها إلى ما بعد نظرية داروين للنشوء والتطوّر، رغم أنها تنعم بحريّة التنقّل، لكنها للأسف صارت أكثر عدوانية، لا يمكن ردع هذه النوعيّة من البشر، لأنها لا تعلم أنها خلَّفَت وراءها عشرات الأبناء اليتامى الذين يعانون من الخوف، قد يقعون تحت خطر التدهور للعنف والإجرام، رغم أن عمليّة تأهيلهم تقع على مسئوليّة الدولة التي تُهمِل الخدمات الاجتماعية في السّلطات المحليّة العربيّة، لذلك تستعين بالجّمعيّات المحليّة، في ظلِّ لامبالاة وتجاهُل الدوائر الرسمية.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment