بسام ضو
تَمُّـر الجمهورية اللبنانية بأوقات صعبة وحرجة حيث السياسة العامة تُـدار بأجواء من الكراهية والتبعيّة والإرتهان والشخصنة والمصالح الخاصة وإسترشاد بأنظمة بائدة تعمل لصالحها وتُرهق الجمهورية في مشاكل لا طاقة لها لتحمُّلها. وفق علم السياسة الهدف من إدارة الدولة هو تنفيذ منظومة سياسية تتقيّد بالدستور وبالقوانين المرعية الإجــراء بكفاءة ونزاهة وتقديم الخدمات العامة لكل المواطنين، ومن المفترض أن يكون عقلاً سياسيًا تشاركيًا ممنهجًا على سيادة القانون لإيجاد الحلول لكل المشاكل والقضايا اليومية الخدماتية والسياسية والأمنية والإجتماعية والمالية والإقتصادية... نطرح السؤال الجوهري في سياق هذه المقالة: هل هذه الأمور متوفرة في الإدارة السياسية اللبنانية؟ طبعًا لا!!
مفهوم الممارسة السياسية حسب العلوم السياسية هي الثقافة السياسية العقلية المتنوّرة، أي ثقافة الحوار ثقافة التطوّر ثقافة التجديد ثقافة الحيــاد ثقافة الإنتاج الفكري السياسي ثقافة العصرنة ثقافة الإستمرارية ثقافة الإستقلالية ثقافة الحضور الحر ثقافة تنافسية نحـو الأفضل للشعب. أما في لبنان هناك وللأسف ثقافة بدائية متحجِّرة ساكنة متقوقعة وهي تلك الثقافة التي لا تريد إعادة تداول السلطة وإعادة توسيع حلقة فكرية تضع المجتمع اللبناني على خارطة المستقبل المشرق.
مشاكل لبنان من يُديرون شؤونه وهذه هي أهم المعوقات التي تواجه الحياة السياسية اللبنانية أي عجـز القيادات السياسية العلمانية والروحية عن القيام بدورها القيادي، وحل المشكلات المعقّدة التي تواجهها في ظل مراحل التغيير والتطوير التي تشهدها الحياة السياسية اللبنانية . هناك العديد من المشاكل والمعوقات التي تعترض الممارسة السياسية السليمة وتحد من فاعليتها ومن أهمها حصريًا: الدكتاتورية الفكرية والأحاديّة، التخطيط الغير سليم المبني على الكيّدية، عدم وفرة المعلومات اللازمة لإتخاذ القرارات الصائبة، البيروقراطية، المحسوبيات، الفساد، الوضع التنظيمي للإدارات الرسمية... كلها عوامل خطيرة تعرقل عمـل السياسة في لبنان، وهذه آفة خطيرة قد تطيح بالمجتمع اللبناني.
من خلال دراسة أعددناها في مركز PEAC للأبحاث تظهّرَ لنا أن هناك الكثير من المؤسسات التابعة للدولة تعاني من أزمة الإدارة حيث التخطيط قصير الأمـد ولا يأخذ بعين الإعتبار الإحاطة بكل الأمور، وغالبًا ما تكون النتيجة تزايد الأخطاء وعمليًا لا بل فعليًا إنعكستْ سلبًا على الرأي العام. دونما نسيان أنّ هناك ثمة فرق شاسع بين رجل يتعاطى السياسة بنبلْ وآخر يتعاطاها بقلّة ضمير وتحت ستار التبعيّة والإرتهان.
فعلاً هناك مشاكل سياسية خطيرة تحصل في ضعف التخطيط وقلّة الإدراك السياسي وحتمًا هذا الوضع ينتج عن توّلي من يُديرون الشؤون الوطنية زمام القيادة لأنهم يُغيِّبون مبدأ التخطيط الإستراتيجي وبالتالي يحدث الإرتباك وتتزايد الأخطاء بعدم الإحاطة بكلية الدائرة السياسية ( وزارة – مجلس نواب – مستشارين...) أي بما معناه التأثُّرْ السلبي بالقرارا على المجتمع والوطن والإدارات الرسمية.
تاريخيًا وحاضرًا من الملاحظ وهذا الأمر يظهر جليًا أنّ هناك مشاكل حصلت على المسرح السياسي اللبناني حين تسلّم زمام القيادة أو المسؤولية أشخاص مناصب قيادية مهمّة دون أنْ يكون لديهم تاريخ سياسي بل كانوا من "جماعة الإقطاع السياسي" أو أن يكون لديهم أي معلومة عن العلم السياسي وآلياته ومبادئه وطريقة التعاطي على مستوى الدولة في الداخل أو على المستويين الإقليمي والدولي، فكان الإرتباك والضعف والفوضى والتدخلات الخارجية وأنتجتْ مشاكل أشّدْ وطأة في الوزارات التي تسلّموها، وهو ما أثّـرَ على وزارات أخرى وعلى الشعب وعلى المؤسسات الرسمية.
من نافل القول أنّ مشاكل لبنان من يُديرون شؤونه وفي طليعة هذه المشاكل الفساد السياسي والفساد الخُـلُقي وهما من أهم المشاكل التي تواجه المؤسسات الرسمية حيث يؤدّي هذا الأمـر إلى تدهــور الحالة العامة في البلاد بكل مفاصلها ويتفشّى الجهل السياسي والفقر والظلم الإجتماعي هذا إلى أمر مهم ألا وهـو ضعف الثقة بين المواطنين والأجهزة الرسمية ممّا أثـرَ سلبًا على الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي.
المؤسف أن من يُديرون زمام الأمور لم يُواجهوا العديد من التحديات التي تتطّلب إجراءات فعّالة وإصلاحات جذرية لضمان نزاهة الممارسة السياسية وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين كافة. في لبنان من يُدير الشؤون العامة لا يُعير إهتمامًا للإجراءات والسياسات التي من الممكن إتخاذها لتعزيز النزاهة في الممارسة السياسية.
سؤال يطرح نفسه هل نحن بحاجة لتصنيع قادة رأي في لبنان؟ بالطبع وجازمين نعم لأنّ الحاليين أثبتوا عجزهم الفاضح عن إجتراح الحلول وأمعنوا في الفساد السياسي ومشاكل لبنان هي حتمًا نتاج من يُديرون الشؤون العامة في البلاد. نحن بحاجة إلى قادة رأي علمانيين وروحيين يحملون صفات ومؤهلات قيادية يعني تطوير القابليات وتحسين مفاهيم القيادة لرفع مستوى الكفاءة والأداء لمن هم مؤهلين أن يكونوا مسؤولين في مجالات العمل السياسي.
بهذا المفهوم في مجال تطور الفكر السياسي نضع حدًا للمشاكل التي تنتج عن ممارسة سياسية خاطئة وعمليًا سنعيش ضمن أنظمة سياسية ديمقراطية وحكومات وسلطة تستظل مبادىء حقوق الإنسان والحريات العامة، وليكن معلومًا لدى الرأي العام أنّ الأنظمة السياسية لم تكن في يوم من الأيام جامدة بل قابلة للتطوّر في ظل وجود إرادة وطنية صلبة حرّة وتوافق عام بين مكونات كل مجتمع تدفعه دائمًا نحـو التطوير وإلاّ ستبقى مشاكل لبنان في من يُديرون شؤونه.
Comments