بسام ضو *
الجمهورية اللبنانية جمهورية مستقلّة سيّدة ذات سيادة غير منتقصة وغير مجزأة على ما جاء في دستورها المعتمد بعد التعديلات التي أجريتْ عليه في العام 1990 بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21 أيلول 1990. إستنادًا لمبدأ العلوم السياسية إنّ السيادة حق كامـل للسلطة الحاكمة وسلطتها على نفسها دون أي تدخُّـل من جهات أو هيئات خارجية، والرمز الوطني للسيادة: النبالة السياسية للحُكّام، الولاء للوطن، المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية، وأيضًا كمركز أبحاث PEAC نعتبر أنّ مفهوم السيادة الوطنية من الضرورة شموله ثلاثة عناصر رئيسية وهي:
أولاً - الأرض، ثانيًا - الشعب، ثالثًا - السيادة التامة، كما أنّ السيادة المطلقة والناجــزة تُشكِّلْ المصدر الشرعي الذي لا رديف له للسلطة الشرعية الوطنية المنبثقة عن إنتخابات شرعية دستورية وفقًا للنظام الديمقراطي وهي أساس العلاقات الداخلية والخارجية، كما يتطلّب علم السياسة أن " تكون السلطة العامة مستقلّة ممّا يُعطي الدولة صفة السيادة ".
بعيدًا عن الإدعاءات والمصالح الخاصة والكيّديات إندلعت الحرب في العام 1975، بعد سلسلة خروق للسيادة الوطنية وتعميّة فاضحة من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين، لا سيّما الإنقسامات في المواقف أدّتْ إلى أزمات بنيوّية وأسباب متصلة بموقع الجمهورية اللبنانية الإقليمي ممّا أدّى إلى تحويل الأرض اللبنانية ساحة للصراع، ولن يُخفى الأمر أنّ هناك عدّة عوامل ساهمت في إندلاع هذه الحرب الشرسة التي أسموها زورًا "حرب أهلية"، ونُعدِّدْ بعضًا من الأسباب التي ساهمتْ في إندلاعها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أ - وجود عوامـل إنقسام سياسية محض طائفية مذهبية إستغلتّ موضوع فلسطين للإطباق على النظام السياسي اللبناني،
ب – وجود عوامـل إقتصادية إجتماعية فكرية عقائدية ناتجة عن إنتشار حالات اللاوعي الوطني والتضليل السياسي والفقر والعــوز.
ج – وجود عوامـل خارجية منها الإقليمي العربي والدولي كان محورها قضية فلسطين والكفاح المُسلّح الذي سلكته منظمة التحرير الفلسطينية خلافًا للمنظومة السيادية اللبنانية تحت ستار إتفاقية القاهـرة،
د – خطر توطين الفلسطينيين أو ما كان يُعرفْ بالـ "الوطن البديل ".
حرب العام 1975 ليستْ حالة هامشيّة نمُّر عليها مرور الكرام، إنها على ما يبدو قابلة للتكرار على نحـو أشّدْ خطرًا على كافة المستويات، وفي طبيعتها وجوهرها وأهدافها أطلقتْ وما زالتْ تُطلِقْ العديد من الوقائع المقلقة والخطيرة على صعيد الداخل اللبناني: سياسيًا – أمنيًا – إقتصاديًا – ماليًا – إجتماعيًا – ديمغرافيًا – جغرافيًا، وهذه الوقائع لا يُمكن الاستهانة بها أو التقليل من أخطارها، وإنها تتفاقم يومًا عن يوم وتزداد خطورتها سنة بعد سنة.
إنّ التعامـل مع خطورتها المتشعِّبة بالطرق المنتهجة لأمــر خطير جدًا، ومعالجة تداعياتها وأسبابها فيه الخلل الكبير لناحية مقاربتها وإيجاد الحلول الناجعة لها. هناك خلل في المعالجة منذ أنْ وُضِعَتْ على سكّة الحـل، وأتى الحـل على حساب لبنانيين إنغمسوا فيها رغمًا عن إرادتهم لأنّ إرادتهم كانتْ الصمود والوقوف في وجه مؤامرة التهجير والوطن البديل.
سطحية المعالجة تتعدّى الأخطاء والفئويات التي إعتمدتْ من قِبلْ قادة الرأي مسيحيين ومُسلمين فكان الخلل في البُنية السياسية والخلل في المواقف والخلل في المواجهات على مستوى الداخل والإقليمي والدولي، لا بل تكرّس هذا الخلل وترّسخ في أذهان اللبنانيين ونجمتْ عنه وقائع خطيرة طائفية ومذهبية تتحكّم اليوم بمصير الوطن وبمؤسساته الشرعية المدنيّة والعسكرية وتكرّستْ المصالح الشخصية وفرضتْ أمرًا واقعًا سمجًا وشرعيات غير وطنيّة فرضتْ حضورها على المسرح السياسي اللبناني.
إنّ ما حصل من أمور غير شرعية منذ العام 1975 وصولاً إلى العام 1990 ولغاية العام 2005 إلى اليوم لهو أشبه بمقولة "مكذب خانا "، وإنّ تراكم هذه الأزمات في بُنية النظام السياسي منذ الإستقلال ولتاريخه ما زالتْ ذيولها فاعلة ومتجذّرة في واقع الحياة السياسية اليومية ممّا أحدث خللاً في ممارسة النظام السياسي اللبناني وما أدّى إلى ضعف السيادة الوطنية وتنامي التضليل السياسي المعطوف على زبائنية سياسية وسيادة منتقصة ودويلات ضمن الدولة وسلاح غير شرعي متفلّت تحت ستار "محاربة العدو الإسرائيلي" ومخيمات فلسطينية تُستغّلْ غُـبّ الطلب من قبل فئات معينة، وهذا الأمر يتناقض مع جولة الرئيس الفلسطيني الذي زار الجمهورية اللبنانية لمرتين مشدِّدًا على ضرورة إستلام الدولة اللبنانية زمام الأمور داخل المخيمات وحمايتها على غرار ما يحصل في بعض الدول العربية المضيفة.
في هذه المناسبة نوّد كمركز أبحاث PEAC تذكير القارىء الكريم بالمداخلة التي ألقاها العميد ريمون إده والتي تناول فيها عدّة مواضيع وطنيّة ومنها وضع البلاد الأمني بشكل عام والمشاكل التي حصلتْ حينها وصولاً إلى توقيع الحكومة اللبنانية ممثلةً بقائد الجيش حينها العماد إميل بستاني على اتفاقية القاهـرة والتي رفض في مضمونها الإعتداءات من داخل لبنان بإتجاه إسرائيل مُطالبًا بـ "بوليس دولي" لحماية الحدود ومنع الأعمال العدائية على طرفي الحدود"، وممّا ورد في المداخلة نقتبس ما يلي " طالما أنّ هنالك 140 فدائيًا، فلنطلب منهم أن يحلّوا عنّا شوي لأنهم قد يُسبِّبون لنا مشاكل "، رُفِضَ هذا الإقتراح لأنه لا يجوز منع العمل الفدائي... ونِعْمَ السيادة ماضيًا وحاضرًا.
أثبتتْ الحرب اللبنانية (حرب الأخرين على أرض لبنان) أنّ هناك خلافات مستعصية بين القوى السياسية اللبنانية وهذه الخلافات أفضتْ إنقسامًا عاموديًا بين كل مكوّنات الشعب اللبناني وسط إعتماد خيارات غير دستورية تمُّسْ بالسيادة الوطنية وبأجهزة الدولة اللبنانية المدنية والعسكرية وخيار المسؤولين السابقين ومن توّلوا بعدهم سواء أكان بالإنابة أو بمبدأية الإقطاعية السياسية هو خيار الإنتهازية والإستغلال السياسي والعمالة والسرقات الموصوفة لخزينة الدولة وإفقار الشعب ممّا إتضح أنّ هناك مؤامرة أركانها ومخططوها فعلةْ شر تُنَفّذ بواسطة وكلاء ساسة الأمر الواقع.
* كاتب وباحث سياسي من لبنان
Comments