bah حول مسلسل "بالدم" معالجة انعدام الضمير في مقاربَة قضايا المرأة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

حول مسلسل "بالدم" معالجة انعدام الضمير في مقاربَة قضايا المرأة

04/11/2025 - 20:12 PM

بيروت

 

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

انتهى الشهر الفضيل وانتهت معه زحمة المسلسلات الدراميّة، وبالكاد لحقت بقطار العرض التلفزيوني في اللحظات الأخيرة، لأنه قد استُكمِلَ تصوير بعضها أثناء عرضها!! هذا تقليد موسمي ثابت لدى جميع المنتجين العرب. الدراما السّوريّة تميّزت بحضورها هذا العام، من حيث نسبة المتابعة، وكذلك المصريّة أيضًا، إلّا الدراما اللبنانيّة بقيَت وحيدة، التي أنتجَت عملًا واحدًا هذا الموسم، وهو مسلسل "بالدَّم" وكان من بطولة النجمة ماغي بو غصن، إنتاج شركة "إيغل فيلمز" التي يملكها زوجها "جمال سنّان"، منتج أعمال زوجته في السنوات الأخيرة.

عُرِضَ العمل على قناة إم بي سي ومنصّة "شاهد"... وبما أنَّه ليس من إنتاج المجموعة، لم يحظَ باهتمامها الإعلامي، كبقيّة الأعمال التّابعة لها. إن مسلسل "بالدّم" عمل لبناني درامي بَحت، لقي نجاحًا عربيًّا كبيرًا، وأثبتَت الدراما اللبنانيّة مدى أهميّتها، وانتعاشها من غفوتها، مسترجعة أمجاد ماضيها الذّهبي، لأنّها كانت بالفعل هذا الموسم قادرة حقًّا على النهوض، بفضل نجومها اللبنانيين، دون الاستعانة بممثِّلين سوريين، كما هو متَّبع عربيًّا، بغية تسويق العمل، ليضمن المنتج استرداد استثماره المادِّي.

"بالدم" من تأليف الكاتبة اللبنانيّة "نادين جابر"، يحكي عن محامية ناجحة اسمها "غالية"، اكتشفت بعد 45 عامًا، أن التي ربّتها لم تكن أمها البيولوجيّة، فتبدأ الأحداث بالتصاعُد منذ الحلقات الأولى. المسلسل يضم مجموعة من النجوم اللبنانيين الكبار مثل القدير رفيق علي أحمد، جوليا قصّار، بديع أبو شقرا، باسم مغنيِّة، وغيرهم، رفعوا الدراما اللبنانيّة على أكتاف المجد ثانيةً.

العمل يتفرّع لعدّة خيوط دراميَّة لا تلتقي مع بعضها البعض، أهمها قضية العقم عند "ليان"، "رلى بقسماتي" زوجة "وليد"، "باسم مغنيّة"، فهنا تبرز المبالَغَة في الأحداث، إذ من غير المعقول أن تيأس الزّوجة "ليان" في سنٍّ مبكرة، وما زالت قادرة على الإنجاب بالطرق العلاجيّة الحديثة، لكن الكاتبة أرادت التركيز عليها، لزيادة التشويق، بأن توهم "ليان" حماتها الممثلة "نوال كامل" أنها حامل، إلى أن يُقرّر أن يروي لها ابنها حقيقة عقم زوجته، وتتفاقم الأمور بين الزَّوجَين، فتتزعزع سفينة زواجهما، غير المستقرة من الأساس.

نكتشف في المسلسل عمليّتَي بحث، الأولى لسيدة تبحث عن والدتها في المشافي، حسب تاريخ ولادتها، الذي قد أوصلها إلى العثور المستغرَب على سيدة معتوهة، جالسة على السطح!!، لعبَت دورها القديرة المغيَّبَة "رندة حشمة". ظُهورها ببضعة مشاهِد، كان بمثابة تكريم لها، تستحقه، لذلك منحها المخرج فيليب أسمر مساحة حضور جيِّدة، إلّا أنها لم تكن والدة "غالية"...

...استمر بحثها إلى أن التقت "بأمها الثانية"، القديرة المغيَّبة أيضًا "إلسي فرنَيني" (زوجة الممثل القدير "جورج شلهوب") صاحبة ملهى ليلي، ملامحها قاسية، متجبِّرَة، فتكتشف "غالية" أنها أيضًا ليست أمها. الممثِّلتان أدّتا دورهما بحرفيّة عالية، رسم الشخصيتَين الضَّيفتَين بهذا الشكل الدرامي البشع، كان من أجل إعادة بريق نجوميتهما إلى السّاحة الفنيَّة العربيّة عامّةً واللبنانيّة خاصّةً.

عملية البحث الثّانية كانت عن طبيعة الأمومة التي فقدتها "ليان"، دون أن تمنح الكاتبة "نادين جابر" المُشاهد المشدود أي مبرِّرات مقنعة ليأسها، كأن عجزها الأموميّ بات أمرًا محتومًا، برأيي المُبرِّر الوحيد كان، لإعادة إحياء قصة الحب بين "وليد" و"حنين"، الممثلة "جيسي عبدو"، فيتزوّجان إرضاءً لوالدته، لتحبل منه، وتستمر بحملها، لكنّه يُطلِّقها لاحقًا. إذًا تطرَّق المسلسل عفويًّا إلى قضية الأم الأحاديَّة، بشكل هامشيّ، بدون الدّخول أكثر في تفاصيلها وأبعادها، وتُعتَبَر حالة منتشرة في كل المجتمعات.

الأم الحقيقيّة "لغالية" كانت قريبة منها، تسكن في نفس الحي وهي "اعتدال" الفقيرة، الممثِّلة المميّزة "سمارة نُهرَا" التي تبيّن خلال الأحداث أنها "باعت" طفلتها دون علمها، بتدبير من الدكتورة النسائيّة "آسيا"، الممثلة "كارول عبّود"، لعائلة روميو، "رفيق علي أحمد"، عن طريق والدتها الشِّريرة والمقعدة، القديرة "جناح فاخوري"... محاولة باهتة، ألقت الضّوء على قضيّة شائكة، مثل "تجارة الأطفال" القائمة إلى هذا اليوم، في بعض الدوَل منها لبنان، نتيجة مآسي الحروب، تعمل بها شبكات تتشارك فيها دور الرّعاية الاجتماعيّة، المستشفيّات والأطباء، لذلك قدَّم المُسلسل لنا تلميحًا بسيطًا عن هذه التجارة، ولكن ليس بشكل واضح ووافٍ، بل عرضها بصورة سطحيَّة جدًّا.

كان تَعامُل ماغي بو غصن مع كل "الأمهات" اللواتي ذكرتهم، بلا حنان ورأفة، وبقيَت عصيّة على التعاطف مع إحداهنّ، إلّا مع نهاية المسلسل، اعترفت بأمها "اعتدال"، بعد جدال طويل معها وعرض إثباتات ملموسة. لقد حَصَرَت النجمة ماغي أدوارها بالمرأة القويّة التي تلعبها بجدارة عالية، ولكنّها باتت مستهلكة كثيرًا، وعليها أن تلعب دور المرأة الضعيفة، المغلوب على أمرها، باعتقادي ستنجح في ذلك، لأن تقاطيع وجهها، ستساعدها على تأدية هذه الأدوار، كنجاحها في الأدوار الكوميديّة. من الجدير بالذِّكر أن مكتشفها المخرج السوري الكبير الرّاحل بسّام الملّا، عندما لعِبَت دورًا قصيرًا في مسلسل "الخوالي" أمام جوكر الدراما، "بسّام كوسا".

هروب الدكتورة "آسيا" من مكان تواجد والدتها، دون القبض عليها، يدل على استمرار المتاجرة بالأطفال، بهدف "تشريع" التبنّي غير القانوني في لبنان. جميع محاور مسلسل "بالدَّم" تدور حول القضايا النِّسائيَّة المعقَّدة، التي صاغتها الكاتبة "نادين جابر" بصورة جيدة، رغم عدم مثاليَّة قَفلة المسلسل بموت "غالية"، رغم مُحاصرة رجال الأمن للمكان، فهذا استهتار بهم، نتيجة ضيق الوقت الإنتاجيّ.

من المفروض أن تتريَّث الكاتبة في كتابة النهاية، وأن تقرأ النص عدّة مرّات دون الاستعجال، مُظهرةً عدَم قدرة جهاز الأمن اللبناني على مواجهة أبسط الحالات الطّارئة. "غالية" التي ساعدَت الكثير من سكّان الحي دون مقابل، لم تُنصفَها الحياة بالمَرَّة، لم تكافئها على طيبة تعاملها الإنساني مع جيرانها، لذلك قُتِلَت على مذبح التضحية في سبيل عدم تكرار مآسي بيع الأطفال. 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment