bah القضية الفلسطينية مركزية بالنسبة للسعودية - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

القضية الفلسطينية مركزية بالنسبة للسعودية

04/12/2025 - 22:41 PM

Atlas New

 

 

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

 

كان الملك عبد العزيز رحمه الله أكثر الحكام العرب حماسا للقضية الفلسطينية واجرأهم على الدفاع عنها في المحافل الدولية بسبب أن ما بين الحرمين الشريفين والحرم القدسي علاقة روحانية، وبين القضية الفلسطينية والاستراتيجية السياسية السعودية علاقة لا تقبل الجدل أو التشكيك أو المساومة ينبع من أصالة عربية ومسؤولية إسلامية، ومنذ عهد الملك عبد العزيز وبقية حكام السعودية حتى عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان يعتبرون القضية الفلسطينية قضية السعودية الأولى، فأرسل الملك عبد العزيز في عام 1929 استنكارا للحكومة البريطانية عندما ألقى اليهود قنابل على المصلين، وواصل مساعداته للثورة الفلسطينية في عام 1936 متحديا الحكومة البريطانية، ورفض توطين اليهود في الأراضي الفلسطينية 1945، وأرسل متطوعين لمساندة إخوانهم الفلسطينيين.

 وبقي الملك عبد العزيز يواصل كفاحه من أجل القضية الفلسطينية فقد التقى روزفلت الرئيس الأمريكي 14 فبراير 1945 على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسي فوق البحيرات المرة ورفض أن يوافق العرب على إقامة دولة إسرائيل كما جاء في وعد بلفور، وأعلن العرب مشروع الملك فهد للسلام في مؤتمر القمة العربية في مدينة فاس عام 1982 واصبح أساسا للمشروع العربي للسلام، كانت
أساسا لمؤتمر السلام في مدريد 1991، وشاركت السعودية في مؤتمر مدريد وانتهاء بخارطة الطريق ومبادرة السلام العربي التي اقترحها الملك عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها الدول العربية كمشروع عربي موحد في قمة بيروت في مارس 2002 لحل النزاع العربي الإسرائيلي، تأتي اليوم الفرصة بعد متغيرين الأول الاتفاق الإيراني السعودي لاستئناف العلاقات بين البلدين في 10 مارس 2023 وبعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وأبلغت السعودية في 7 فبراير 2024 أمريكا موقفها الثابت بانه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 ووقف الهجوم على قطاع غزة.

اتخذ محور ما يسمى بالمقاومة الصراع العربي الإسرائيلي ستارا يختبؤون خلفه لتمرير مشاريعهم أو فشلهم وطغيانهم ودمويتهم، ولم يكونوا قادرين على النيل من إسرائيل أو على الأقل تحييدها، مثلما يحتفون بضربات الحوثي الصاروخية التي لم يكن لها أي تأثير يذكر على إسرائيل طبعا نجحوا في تجييش الشعوب التي تشاهد عربدة إسرائيل والقيام بالإبادة الجماعية بحجة القضاء على قيادات حماس وأنهم يختبؤون بين سكان غزة، ونجح اتباع محور المقاومة في نقل صور هروب الإسرائيليين إلى المخابئ، وفي نفس الوقت يتعمدون تجاهل ما قامت به السعودية من جهود جبارة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وبالفعل وافقت حتى الآن 149 دولة وعلى رأسها دول أوروبا التي تود إنهاء الصراع من أجل إقامة تحالف مع المنطقة العربية من أجل مصالح مشتركة والحصول على الغاز والطاقة بعدما توترت علاقتها مع روسيا التي تبيع لها الغاز الرخيص لكل وحدة لا تتجاوز 4 دولار، بينما تحصل أوروبا على الغاز من أمريكا بأربعة أضعاف وفق أسعار السوق وهو يخدم الولايات المتحدة لمنافسة صناعاتها الصناعات الأوروبية.

 وبالفعل تم تسريح نحو اكثر من 300 ألف شركة في ألمانيا نتيجة ارتفاع أسعار الغاز، هذا إلى جانب أن الغاز الأمريكي غاز مسال يجب أن ينقل تحت درجة حرارة ناقص 168 درجة مئوية عبر ناقلات خاصة، كما يجب تخزينه بخزانات بنفس الدرجة المذكورة، وتبيعه فرنسا لألمانيا بسعر أعلى من الذي تشتريه، بجانب عملية التبريد مكلفة، وعندما أرادت ألمانيا إنشاء صندوق للطاقة بموارد مالية 200 مليار يورو اعتبرته فرنسا مقاربة آحادية لبرلين لا يمكن لبقية الدول الأوروبية مجاراتها، بينما الغاز الروسي يأتي عبر أنابيب، حتى أن تحالف إقامة الدولة الفلسطينية أصبح يطلق عليه التحالف العربي الأوروبي، بعدما اعتبروا روسيا شريكا غير موثوقا ،بينما العرب شركاء موثوقين.

في لحظة تاريخية وافق الغرب على إسقاط ديكتاتور سوريا بعد أكثر من نصف قرن اتسم بالقسوة والدموية، رغم أن الرابح الأكبر الشعب السوري والمنطقة، والخاسر الأكبر محور ما يسمى بالمقاومة، لكن أتت المخاوف من بعض الدول العربية التي روجت المخاوف من حكم متشدد، لكن تدخلت السعودية ودعمت نظام الحكم الجديد في سوريا، وتم استقبال الشرع في جميع الدول العربية وارسال له دعوة لحضور القمة العربية في القاهرة، وتقود السعودية معركة بلا أسلحة بأنياب دبلوماسية مرنة، وهي تنسق مع تركيا التي دعمت النظام الجديد في سوريا في مواجهة أي تمرد وقادت هي والسعودية برعاية أمريكية اتفاق بين قسد والحكومة المركزية، بل أعلنت تركيا والسعودية أنهما يضمنان سوريا الجديدة استقرارها ووحدة أراضيها، وسينعكس ذلك على استقرار لبنان والدول المحيطة بهما من دون مليشيات حزب الله، الأردن والعراق حتى العراق واليمن.

العالم لن يقبل وجود مليشيات حماس في مستقبل دولة فلسطين المستقلة وهم سبب الإبادة التي حدثت في غزة، وهذا لن يبرئ عربدة إسرائيل من القيام بالتطهير العرقي الذي تمارسه عبر الإبادة الجماعية بحجة وجود حماس الذي يكفل القانون الدولي محاربة الاحتلال ولكن وفق حسابات الحفاظ على أمن الشعب الفلسطيني.

 مشكلة حماس أنها انقلبت على توحيد الصف الذي رعته السعودية في مكة عام 2007، ثم استدارت وارتمت في أحضان إيران التي تتاجر بالقضية الفلسطينية من أجل تحسين التفاوض مع أمريكا للإبقاء على نفوذها الإقليمي، لكن هناك تغيرات لم تستوعبها إيران وحتى إسرائيل من أن الحرب الروسية في أوكرانيا غيرت خريطة جغرافية الطاقة، وأصبحت المنطقة العربية في قلب هذه المعادلة، هذا إلى جانب أن أمريكا ترعى الممر الهندي الأوروبي إلى جانب الممر الصيني، فأصبحت المنطقة العربية جسرا بين الشرق والغرب لابد أن تتوقف الحروب والصراعات والقضاء على المليشيات، وعلى راسها الصراع العربي الإسرائيلي.

ظنت إسرائيل هي الأخرى أنها بعد طوفان الأقصى بعد القضاء على محور ما يسمى بالمقاومة بدعم امريكي وغربي، اعتقدت أنها قضت على روافد دعم القضية وبشكل خاص الدور السعودي وأن تقيم علاقات معها بدون ثمن، وتعتبر الثمن القضاء على محور ما يسمى بالمقاومة، وتهيئة منطقة الشرق الأوسط بجغرافيا سياسية مختلفة، وأرادت التهجير بديلا عن القتل والتصفية الذي وقف العالم تجاه هذه الإبادة، لكن فوجئت أن مصر وقفت أمام تصفية القضية، وهي تدرك أن قوة مصر العسكرية كبيرة التي بنتها بعد ثورة 2013 بدعم خليجي وبنت قواعد عسكرية فأصبحت قوة ضاربة لا تستطيع إسرائيل الدخول في مواجهة معها، والسعودية تقود تحالف لإقامة الدولة الفلسطينية، خصوصا وأنها ترعى السلام بين القطبين الروسي والأمريكي وسيتنعكس تلك الرعاية على بقية الملفات الإقليمية منها الملف الفلسطيني.

تسعى السلطة الفلسطينية معالجة أوجه القصور في السلطة الفلسطينية وصولا إلى تنفيذ عمليات أمنية غير مسبوقة في الضفة الغربية في جنين وطوباس خوفا من تزايد الدعم المحلي لحماس من أجل كسب ود ترمب من أن السلطة تقوم بالإصلاحات بشكل جدي، وامتثال السلطة بقانون تايلور فورس لعام 2017 الذي يشترط آليات صارمة ومستمرة للتصديق والإبلاغ والإخطار لفحص تطبيق الترتيبات الجديدة وتحددي ما إذا كانت تفي بالمتطلبات القانونية الأميركية، وفي القمة العربية في 4 مارس 2025 أعلن الرئيس محمود عباس عن سلسلة من الإصلاحات في كل من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهي إجراءات تأخرت طال انتظارها.

قرار إسرائيل تعليق إمدادات الكهرباء إلى غزة له عواقب وخيمة على الحياة اليومية للفلسطينيين المدمرة أصلا، فكيف قبلت حكومة حماس التي تدير قطاع غزة أن تبقى رهينة للكهرباء الإسرائيلية بنحو ثلثي الإمدادات، بجانب تدمير محطة دير البلح، وتدمير خطوط الإمدادات الآتية من إسرائيل، ولم يتبقى سوى مولدات الديزل لتشغيل خدماته الأساسية بما في ذلك المستشفيات ومحطات تحلية المياه، وغزة لديها حقول الغاز الطبيعي البحرية التي يمكن تطويرها قبالة سواحل إسرائيل وغزة في شرق البحر المتوسط غزة مارين 1و2 سيكون دافعا للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة بعد نهاية الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا التعاون أضعف آفاق التعاون في مجال الطاقة بين إسرائيل وفلسطين بعد انتخاب حماس عام 2007 وتضاءلت هذه الفرصة أكثر بعد اكتشاف حقول غاز رئيسية في المياه الاقتصادية الإسرائيلية بين عامي 2009 و 2010، وقبل طوفان الأقصى وافقت إسرائيل على تطوير حقل غاز غزة مارين في 2023 بمشاركة السلطة الفلسطينية ومصر كانت نقطة تحول في استعداد إسرائيل للتعاون من خلال اتفاقيات تقاسم الإنتاج، لكن طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 أفشل مثل هذه المشاريع، خصوصا وأن دول الخليج ترفض إعادة الإعمار دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ليس أمام الفلسطينيين سوى دمج غزة والأراضي الفلسطينية الأوسع في إطار تعاوني لتطوير الطاقة في شرق المتوسط الذي يشمل قبرص واليونان وإسرائيل والولايات المتحدة 3+1 بالإضافة إلى التعاون في مجال الاستخراج والنقل مع مصر وفي نفس الوقت يعتمد تطوير الطاقة في منطقة شرق المتوسط على ربط غاز غزة الطبيعي بالدول الأوروبية عبر خطوط أنابيب وشبكات الكهرباء حيث تبلغ احتياطيات غاز غزة الذي اكتشفته شركة بريتش بتروليوم عام 1999 بين 1 و 1.4 تريليون قدم مكعبة ودمج مصادر الطاقة المتجددة، وهي فرصة لتعزيز مكانة الولايات المتحدة كصانع سلام، وفرصة لحصول أوروبا على الطاقة من غزة.

 لذلك أوروبا تقيم تحالفا مع الدول العربية بقيادة السعودية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي نفس الوقت يتحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة وحصول غزة على إيرادات كافية لإعادة إعمار غزة وإعادة بناء الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا

          Dr_mahboob1@hotmail.com

 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment