bah إعادة الإقبال على هيصة موسم المعايدات - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

إعادة الإقبال على هيصة موسم المعايدات

04/18/2025 - 13:46 PM

absolute collision

 

 

بقلم: مَارون سَامي عَزّام

 

الشّيء الوحيد الذي يتّفق عليه الجميع، أنّنا نعيش في محيط تكنولوجي متطوّر لدرجة غير معقولة، لذا وجدنا موقع "التكاسُل الاجتماعي"... عفوًا موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، قد بات نافذة المعايدات الوحيدة على بعضنا البعض... لم أُخطئ التسميّة، لأنَّنا عشقنا الكسل في كل شيء، حتّى في المعايدات التي لم تعُد حاضرة لدى غالبية المجتمعات العربية. النّاس تُحبِّذ تبادل التهاني الإلكترونيَّة حصرًا، بعد أن فَرَضَت عليها الشّاشات المصغرة زمن الجلوس منذ أكثر من عقد الزَّمن، ونسوا جمالية المعايدات، وسمو معانيها.

بعض العائلات ما زالت تحافظ على تقليد المعايدة الجماعية، نجد بيوتها مفتوحة في موسم الأعياد لاستقبال المشايخ والشخصيّات من أبناء الطّائفة المعروفيَّة الكريمة، وهو تقليد عريق وتاريخيّ، موروث عن الآباء والأجداد، وعلى الجميع التمثّل به، ويجب نقله للأبناء، لنُطلعهم على أهميّة التواصل الحسِّي، الملموس، بهدف خلق تقارب أكثر بين جميع الطّوائف، ليشعروا أن دفء الصِّدق بدأ يسري في عروقهم، حتّى تَظهر محبّتهم للآخر في ملامحهم، فترسم ابتساماتهم لوحات الرِّضى الملوَّنة بألوان الوفاء لأهميَّة المعايدة.

البعض لا يمنحها، اهتمامًا لائقًا، مع أنّها تلاشت كُلِّيًّا منذ سنوات طويلة، لغزارة أمطار الانشغالات فوق رؤوس النّاس، والتزامهم فقط بأفراد عائلاتهم الموسَّعة، وبالأخص اهتمام النِّساء وبناتهن بالتحضير المنهِك لوليمة العيد، لأنهنَّ بعد انتهاء عجقة المأكولات الدََّسمة، سيستنفرن همّتهن، لتنظيف وإعادة ترتيب أثاث البيت إلى وضعيَّة ما قبل الاحتفال... كل هذه الأمور تُتعب أفراد الأسرة، لذلك حَذفوا المعايدات من جدول اهتماماتهم، واقتُصِرَت معايداتهم على دائرتهم الضَّيقة والقريبة جدًّا منهم.

محاولة حصر مَهام المعايدات القصيرة ضمن إطار الواجبات الاجتماعيّة العابرة، هي مبرِّر لإلغائها منعًا للحرَج، وكما هو معروف اليوم، فواجب القيام بالمعايدة، يحتِّم على الشَّخص التأكُّد من امكانيَّة استقبال قريبه أو صديقه له في الموعد المحدَّد. عدم تعميم المعايدة على المجتمع، من شأنها إبعاد النّاس عن بعضهم، فينسون متعة الالتقاء ببعضهم البعض، رغم معاناتهم المستديمة من آفة الابتعاد، ولكن من المحبَّذ أن يلتقوا على الأقل في المناسبات حول مائدة التعاضد، لأنّنا نرفض قطعيًّا مبدأ الانقسام الاجتماعيّ.

في مواسم الأعياد، أعتبر تبادل التهاني كنوع من تجديد صلاحيّة العلاقات العامَّة، لأنها تُحتِّم على الأعيان والشخصيات الاجتماعيَّة البارزة أن يؤدُّوا هذا الواجب، لإبراز فرحتهم، رغمًا عنهُم! على الكهنة والأئمَّة والشيوخ، أن يدعوا إلى نشر رسائل توضيحيَّة عن أهميّة المعايدات، عبر صفحات تواصلهم، تكون مضامينها قريبة من فكِر الأجيال الشّابة.

يجب أن يكون للشبّان الصّغار، مشاركة في موسم المعايدات، ليتعلّموا من الكبار أهميّة الانتماء إلى بلدهم، وتشجيعهم على التعرُّف إلى أبناء الطّوائف الأخرى، من أجل اكتساب موروث المعايدات، ليتخلّوا عن الآراء المسبقة الخاطئة التي يحملونها في عقولهم عن بعضهم البعض، ويجب ألّا ننسى الدور التربوي لإدارات المدارس، بأن تدعو طلّابها إلى معايدة زملائهم على مقاعد الدّراسة في بيوتهم، لمعرفة بيئتهم، تقاليد احتفالهم، من أجل الاندماج فعليًّا مع فرحة زملائهم، لإزالة ترسّبات الماضي من تفكيرهم.

المعايدات عمومًا، تُوطّد العلاقة بين الناس، تقوم على المحبّة والأُلفة، لأنها تعكِس صورة نقيَّة وشفّافة عن العيش المشترك والجيرة الحسنة، وهناك الكثير من القرى العربية ما زالت متمسّكة إلى هذا اليوم بمبدأ المعايدة الشخصية، لأنها فرصة عظيمة لتخفيف الأجواء المتوتِّرة، وجعلها قدر الإمكان أجواءً سعيدة محدودة الفاعليَّة، لملء هذا الفراغ الاجتماعي الذي سبَّبَته الهيصة الرقميَّة. 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment